لغز الأماني ..

لغز الأماني ..

نمضي حياتنا لأجل أن نحقق أمنية نشأت بنشئنا و ترعرعت في دواخلنا كما لو أنها رئة ثالثة نتنفس بها الحياة، كـعين ثالثة نرى بها الغد، أو كثقب صغير في أفئدتنا نسعى لترميمه كي نصبح كاملين. إن الأمنية التي تستوطنا هي حقا قلب آخر يضخ لنا دماءً من نوع آخر! كنت ولازلت أتعجب من أبطال أفلام بوليود "الخرافية" كما أنعتها دائما، كيف للبطل الذي أثار حماستنا طيلة مشاهد الفيلم أن يقتل الأحداث بتخليه عما يريد ؟

كيف له حينما يصل لخصمه الذي حرمه أعز ما يملك أن يعفو عنه ؟ و كيف لذلك البطل الذي قاتل الجميع من أجل أن يظفر بحبيبته أن يتخلى عنها في النهاية ؟ كيف لهذه النهايات ألا تتم بالرغم من أنها كانت بين يديّ أصحابها لحظة النهاية و التي عاشوا كل البدايات و هم يحلمون بها ؟ شيء يدعو للسخرية حقا ، كان ذلك يدعوني لأن أفترض سيناريو أفضل للقصة ، لأن أخلق أحداثا تشبع تطلعي و ترضيني كـمتلقي أولا و كحالم يؤمن بقداسة الأمنيات ثانيا ..

حقا لم أكن اسأل نفسي حتى مالذي دفع الكاتب أن يصوغ السيناريو بهذا الإحساس الغير منطقي، أو حتى عما إذا كان هناك أشخاص حقيقيون يعيشون بهذا المنطق في الحياة، فقط ظليتُ أدعو تلك الأفلام جميعها بالهراءات وعدتُ إلى عالمي المنطقي الذي أعيشه. أحيانا بل غالبا نحن لا نتفهم طبيعة الأشياء من حولنا كيف تسير، حتى أنفسنا التي قد ندّعي بأننا نعرف كل شيء عنها نحن في الحقيقة نجهلها كثيرا، نحن لا نعرف حقيقة أنفسنا حتى نجد أنفسنا قد وقعنا في الموقف، لا نعرف حقيقة أنفسنا إلا إذا كنا مرغمين أن نقرر أو نختار.

يحدث دائما أننا نتطلع إلى تحقيق أمنية أو هدف أو منجز مهم في حياتنا، نعمل من أجله، ولا نتوانا في بذل الجهد و الوقت الكثير للوصول إليه، وأحيانا قد نضحي بأثمن الأشياء إن تطلب الأمر. يحدث دائما أن نصل إلى عتبات أمنياتنا ونحن أشخاص آخرون، أن نقف على مشارف أحلامنا و نحن لا نشعر بتلك اللذة، لا نشعر بنشوة الانتصار التي طالما تخيلناها. أحيانا وبعد كل ذلك الجهد نُقْدم على أمنياتنا خائفين، مترددين، نضع أيدينا على قلوبنا وندعو "يا رب، أهدني لما فيه خير لي، يارب اهدني للصواب" !!

حتى ذلك الصوت الداخلي يرد علينا باستفزاز : صواب !! و هل كنت أسعى و أتمنى و أبذل طيلة عمري لشيء لم اتحقق من هويته بعد أهو خطأ أم صواب ؟

حتى ضمائرنا تبدأ تأنيبها لنا، تلومنا على دعواتنا السابقة، لِم لمْ نقل منذ البداية حقق لي يا الله حلمي إن كان فيه خيرا لي ؟.

نمكث في محراب الصمت طويلا، ونترك من حولنا مستمتعين مع هذياننا وجنون أحلامنا، يترقبون وصولنا بفارغ الصبر تماما كما نترقب البطل أن يصل لما يصبو إليه في الأفلام، وما بين الناس وتفاعلهم معنا قد تتوه منا أنفسنا، قد تسحرنا كلمات تدفعنا للأمام، أو تقنعنا أخرى بأننا كنا على خطأ منذ البداية أساسا، أنفسنا حينها قد تنقسم إلى اثنين أو ثلاثة وربما أكثر، نقف طويلا مع أنفسنا قبل ان نتخذ قراراً بالإكمال أو نعود أدراجنا، نهاب اللحظة كثيرا فتقتلنا عوضا عن قتلنا لها، ولا ندري لِم !

حقا قد لا نعلم ما نريد تماما، فأمنياتنا جميعها قد تتحقق دون أن نشعر بلذة تحقيقها. أحيانا نشعر بأن عنصرا ما مفقود في تلك الدائرة الطويلة، وأحيانا قد نمضى و لكن حالما نفشل سنتحسر على وقفتنا الطويلة مع أنفسنا دون أن نتراجع، وأحيانا قد نتراجع و من ثم نعيش بقية عمرنا نعد أصابع الندم على حماقتنا تلك، وأحيانا قد نقف إن كان لنا الخيار بالوقوف وحينها سنكون قد أوجدنا أمنيات معلقة، لم نشأ أن نحققها ولا أن نعدل عنها وتلك أسوأ النهايات.

الأكثر قراءة