الإعلام والسلم الاجتماعي (1 من 2)
يمثل الإعلام أحد أهم الواجهات الحضارية لأي مجتمع، وكلما ارتقى الفكر الإعلامي وأحسن طرحه وتلمسه لقضايا وطنه ونحا نحو الإصلاح والحيادية استطاع أن يكون شريكا استراتيجيا لإصلاح الوطن وإبراز أهم الإيجابيات والعيوب التي يجب العمل على إصلاحها. والإعلام كما يسميه التنمويون السلطة الرابعة، لأنه - بحق - عندما يملك الأدوات والفكر الناضج الناصح يقود مجتمعه ومختلف مؤسساته إلى الإبداع المبني على المصارحة ووضوح الرؤية وتحدي العقبات مهما كبرت، والإعلام من الأمس وإلى الغد وبمختلف وسائله سيبقى المؤثر الأول في صناعة المجتمع وقرارته، وإذا تحقق له أصحاب القدرات والكفاءات المتزنة المؤهلة فإنه - بإذن الله - ينير الطريق لصناع القرار لاستيعاب ظروف وحالة مجتمعهم ومتطلباته وأفكاره وحالاته، وهذه إضافة مهمة إلى ما يتم رصده من مصادرها الأخرى، وهنا تبرز البرامج الإعلامية الإبداعية التي تناقش قضايا وطنها بكل شفافية وحيادية بعيدا عن المفهوم المغلوط للخطوط الحمراء التي تعوق الطرح الإعلامي وغير الإعلامي الصادق بعيدا عن العنتريات الإعلامية أو محاولة النجاح الإعلامي الشخصي على حساب الوطن ومصالحه كما نرى اليوم من بعض إعلاميينا السعوديين، لأن الهدف من الطرح الإعلامي الصادق المتزن هو المساعدة على استيعاب المجتمع بمختلف أطيافه وأفكارة ومناهجه للتوجهات المختلفة وأثرها الإيجابي والسلبي في استقرار المجتمع وتطويره، وهنا برز الأخ الإعلامي المتألق عبد الله المديفر من خلال برنامج "في الصميم" الرمضاني اليومي الممتد من برنامجه "لقاء الجمعة" الأسبوعي في تلمس بعض آراء وأفكار وتوجهات بعض من أصحاب الفكر المشكل لمستقبل الفكر السعودي وأبنائه وكيفية بناء ذلك الفكر ووصوله إلى ما وصل إليه اليوم ومعرفة من يقف خلفه ويغذيه.
إن الاختلاف الفكري وأسلوب طرحه حق مشروع لكل صاحب فكر ما دام ذلك الفكر يبقى ضمن دائرة صاحبه ولا يتعدى إلى تغيير فكري ضمن النسيج المجتمعي يقود نحو الاختلاف المدمر للعلاقات المجتمعية، وهو ما نراه اليوم يبرز في بعض الدول المجاورة التي استطاع ذلك الفكر أن يدفع المسلم إلى قتل أخيه المسلم والاعتداء على عرضه وجعل جمجمته كرة قدم يتم التلاعب بها بين أقدام أخيه المسلم.
إن نقطة وقوة التميز التي حققها الأخ الإعلامي عبد الله المديفر في برنامج "في الصميم" في قناة روتانا خليجية استقطاب أطياف مختلفة من أصحاب الأفكار المؤثرة في المجتمع، وجعل تلك الأفكار وأصحابها على مائدة المواطن والمسؤول لمعرفتها واستيعاب نقاط قوتها وضعفها وربما خطورتها وكذلك أثرها الإيجابي والسلبي في وضع واستقرار وتنمية المملكة، وهذا الجهد المبارك يجب ألا ينظر إليه على أنه برنامج عابر وأصحابه أصحاب فكر غير مؤثر، إنما تكون أحد أهم الأدوات التي يستثمرها ويستغلها ويستعملها المعنيون بأمن الوطن الفكري وأمنه الأمني، ويعينهم مع ما لديهم من معلومات على دراسة أسباب وصول مثل هذا الفكر المتطرف من خلال الأطياف التي خرجت أو تخرج عن الإطار القيمي للمجتمع السعودي والتي عملت على تقسيمه إلى أطياف وجماعات بأسماء أصبح مجرد حفظها معضلة غير سهلة، فمن إسلامي متشدد إلى إخواني وجامي وعلماني وناصري وليبرالي وعروبي وأخيرا ليبرالي جامي وداعشي وبقية التصنيفات قادمة مع تقدم الأفكار، خصوصا الهدامة للمجتمع والتي تعمل على تفريقه وتمزيقه وإرباك أمنه واستقراره السلمي.
إن استضافة الأخ عبد الله المديفر مثل هذه النماذج السعودية ومن خلال أسلوبه الإعلامي الراقي غير المتحيز لأحد ضد أحد، أو المنطلق من مواقف شخصية ضد أي فئة، أو محاولة القفز على مساحة الضيف أو إبراز آرائه الشخصية ومحاولة بناء مجد شخصي له من خلال البرنامج، أو استرضاء فئة على حساب أخرى، هي رسالة لكل من يهمه الأمر حول أهمية تحقيق السلم الاجتماعي من خلال استيعاب مختلف الأطياف الفكرية السعودية المؤثرة في مستقبل أجيالها وكيفية الوصول إلى رؤية وطنية مبنية كما نقول دائما على الكتاب والسنة ومنطلقة من متطلبات العصر المؤكدة على أن هذا الدين صالح لكل زمان ومكان، بدل النظرة القاصرة لمثل هذه الأطياف الفكرية الهدامة بغض النظر عن أسمائها، إنما المؤكد أنها جميعا لا تقود إلى خير, إنما – مع الأسف - تؤكد أن النفق يزيد ظلمة والاستيعاب لها يزيد فجوة وعدم قدرة الأجهزة المعنية على إصلاحها يزيد تباعدا، وكل هذا يقود - لا قدر الله - إلى فوضى تتجاوز ما هو مخطط من "فوضى خلاقة سبق الحديث عنها وإيضاح بعض الحلول لعدم الوصول لها من خلال عدد من المقالات التي تؤكد أهمية وحدة الوطن والاعتماد على المبادئ الإسلامية والقيم العربية في كل المستويات، والاعتماد على القيادات والكفاءات السعودية الوطنية المتعلمة والصادقة لخدمة وطنها ومواطنيها والابتعاد عن كل من يحاول أن يجعل الوطن مطية يستغلها لمصالحه وأهوائه الشخصية تحت قاعدة "أنا ومن بعدي الطوفان". وللحديث بقية في المقال القادم - إن شاء الله.
وقفة تأمل :
" الناس بالناس ما دام الحياء بهم
والسعد لا شك تارات وهباتُ
وأفضل الناس ما بين الورى رجل
تُقضى على يده للناس حاجاتُ
لا تمنعن يد المعروف عن أحد
ما دمت مقتدراً فالسعد تاراتُ
واشكر فضائل صنع الله إذا جعلت
إليك لا لك عند الناس حاجاتُ
قد مات قوم وما ماتت مكارمهم
وعاش قوم وهم في الناس أمواتُ "