درء الخطر العربي : لماذا .. وكيف ؟
ليس هذا مقالاً آخر ضمن تلك التي تعتقد بنظرية المؤامرة الكبرى، والأهم أني لست من مؤيدي مثل هذا الاتجاه، فالأمر يتعلق بالسعي لتحقيق المصالح كل حسب قدره كحق مكفول للجميع وبعيداً عن المثاليات فذلك خارج إطار المعادلة البراجماتية، كما أن ما يتضمنه هذا المقال ليس "فرضية" تتطلب البحث والاختبار، وليست "نظرية محتملة" تجاوزت متطلبات ارتقاء الفرضية إلى بوادر نظرية، بل "قانون إنساني" مثلُ ثباتِه كمثل قوانين نيوتن في علم الفيزياء وأن الحقائق التي يتضمنها كحقائق علم الفيزياء، ويصعب أن يأتي من يدحض هذا المقال بمقال بمثل شفافيته وسواء بسواء ببساطة قوانين نيوتن.
سأتجاوز في هذا المقال طرح السؤال المعقد جداً : من أكثر المتعرضين لخطر التقارب العربي ؟ وأترك للقاريء الكريم أن يطلق العنان لخياله الجامح والخصب لتحديد من هو أكثر المستفيدين من منع التقارب العربي عموماً، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، وأخصُها الواقعة غرب أسيا وجنوب غربها وشمال شرق أفريقيا، وهي نقطة مركزية في موقع قد لا يقارعه في إستراتيجيته "جغرافياً" إلا ما ندر، عدا عن أهمية البعد الديني والتاريخي لها، وما دام الأمر كذلك، فلماذا يعد التقارب العربي خطراً، والطبيعي أن يكون الأمر عكس ذلك تماماً؟
لعل هذا سيساهم في حصر تركيز هذا المقال على: كيف يتم منع التقارب العربي؟ ولماذا لحظنا في الآونة الأخيرة حراكاً "محموماً" وسباقاً يائساً مع الزمن لاستئناف "عملية" توقفت لنحو ثلاث سنوات سابقة لحدث عظيم حصل أخيراً، وتأكد عدم جدوى تلك العملية "واقعياً وعملياً" في ضوء انحياز انكشف تمويهه إلى جانب المعتدي؟ بل وأكثر من ذلك، لماذا تظاهر الراعي المفترض بالضغط على الطرف المتعنت "عجرفةً" لمراجعة موقف ذاك "المتعجرف" بشأن مبادرة طرحها "خصمه" منذ أكثر من عقد من الزمان، وهذا "الخصم" هو بالمناسبة صاحب الحق، وكان المعتدي قد رفضها بكل "صلافة"؟
ذاك الراعي المفترض هو الذي أوعز لحليفه الخاص جداً الذي غرس بذرة الخطيئة الأولى عام (1917 م) بأن يسحب الأخير مبادرته المسماة "الكتاب الأبيض" التي طرحها (1939 م) بعد نحو (6) سنوات على ذلك. وهنا قد يقال أن الظروف تغيرت مقارنة بتلك التي قبل نحو ثلاثة أرباع قرن، وأقول نعم لقد تغير كثير وكثير عبر تلك الحقبة، لكن تغير موقف الراعي المفترض لم يكن ليحدث لولا أن "حدثاً عظيماً" لم يكن في حسبانه قد حصل مؤخراً على فترتين حيث توهم الراعي احتواء موجته العاتية الأولى فأذهله تسونامي الثانية.
ساترك أيضاً لفطنة القاريء الكريم وذكائه وسعة حنكته تحديد من هم المعنيين بالأمر، وما الحدث العظيم الذي أوصل حال "الارتباك" لدى الراعي المفترض وحلفاءه الحقيقين لهذا الحد؟ وهل فات الأوان عليهم للتعامل مع الأمور على أنها حالة لا تخرج عن إطار "إدارة أزمة" والعمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه أم أنه استشعار لخطر حقيقي يسعى لأن يحضى بفرصة لاستعادة "الثقة المنهارة" به؟ وأيضاً.. وأيضا..ً لن أصرح للتأكيد تماماً على أن موضوع هذه المقالة ليس عن "نظرية محتملة" أو "وهم عن مؤامرة كبرى"، بل عن "قانون وحقائق"، أما الإجابة على التساؤل الأخير فستتضح من خلال معرفة الأهداف.
إن من الأهداف الحقيقية لمنع التقارب العربي، من خلال تهيئة الظروف لتقع الدول في هذا الإقليم الساخن ببعضها البعض والعمل على تقاطع المصالح بين فئاتها وطوائفها وتشابكها وتعقيدها، هو إشغال الدول العربية وخاصة في ذاك الموقع الجغرافي الاستراتيجي عما يحقق مصالحهم، وذلك للآتي: أولاً، حماية لطرف بذاته، وثانياً، استمراراً لاستنزاف الثروات العربية الطبيعية التي تشرى منهم بثمن بخس ويعاد بيع ما ينتج منها لأولئك العرب لقاء ثروات؟
ولكن هيهات، لأن "البعد الأخلاقي" الذي تتميز به أمة الصادق الأمين عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم قد غلبت "البراجماتية المجردة" لباقي الأمم عبر الزمان (التاريخ) والمكان (الجغرافيا)، فيا لخطر هذا الإنسان العربي على العالم! وقد يكون لنا عودة في مقالات أخرى في هذا الخصوص.