درء الخطر العربي (2) : هزيمة البراجماتية !

أكدت في المقال السابق أن الأمر ليس عن "نظرية" أو مؤامرة كبرى بل عن "قانونٍ وحقائق"، وأن وأنه يتعلق بالسعي لتحقيق المصالح كل حسب قدره بعيداً عن المثل العليا التي هي خارج المعادلة البراجماتية، وسيركز هذا المقال على تفصيل للمنهج البراجماتي الذي اعتمده الراعي المفترض "لعملية السلام" الذي أذهله وأربكه تسونامي الموجة الثانية "لحدث عظيم" حصل مؤخراً، ليلقي بكل ثقله لتحريك تلك العملية واعتبارها فرصة أقرب للمعجزة لاستعادة الثقة به بعد انهيارها وانكشاف التمويه الذي استخدمه انحيازاً للمعتدي على مدى عقود.

سأبدأ بإيضاح أن منهج "البراجماتية المجردة" هو سمة أصيلة يسعى من خلالها الراعي المفترض وأتباعه لتحقيق أهدافهم في المنطقة العربية، ثم لماذا نجحت هذه المنهجية في الفترة ما قبل الحدث العظيم الأول وبعده لعقود طويلة؟ ولماذا لن تجدِ بعد الحدث العظيم الثاني؟ ثم هل بإمكان الراعي المفترض تغيير هذه المنهجية ؟

سأبدأ بالإجابة عن السؤال الأخير بالنفي لسبب بديهي جداً وهو أنه بالمنهج البراجماتي ولا سواه يمكن وضع الحسابات الدقيقة وترجمتها في مبادرات ظاهرها الناصح الأمين والتعاون لتحقيق المصالح المشتركة، وخافيها وشرطها المسبق "طالما أن ذلك لا يتعارض بل ويحقق الأهداف الحقيقية التي تم إيضاحها في المقالة السابقة"، وبالتالي سيكتفي الراعي المفترض بتغيير العناصر الداخلة في معادلتها.

ومن أمثلة وتطبيقات ذلك المنهج، هذا أستاذ القانون في جامعة هارفرد والذي له صلاته وعلاقاته بالكيان المعتدي، يشير في كتابه الصادر بعنوان (The Case For Peace, 2005: 201) أنه ساهم في صياغة مسودة قرار مجلس الأمن رقم (242)، كما يُقرر في كتابه الصادر بتاريخ (2003) بأنه "مُحرّر متحضر وتحرري" (civil libertarian and liberal) لذلك هو يدعم ذلك الطرف المتعنت (صفحة 12 من الكتاب)، ثم يعود ويؤكد على ذلك في كتابه الآخر الصادر بتاريخ (2005) أعلاه، ثم يدعي أن العلاقة بين الراعي المفترض وذلك المعتدي هي علاقة تحالف وليس أن الثاني "أداة" أو سوى ذلك للأول (2005: 228)، وهذا ما يدعو للتساؤل ما إذا كان الأول هو "أداة" للثاني يسيره كيف يشاء وأيضاً براجماتياً.

ومثال آخر على اعتماد الراعي المفترض للمنهج البراجماتي البحت هو التمرين العسكري لحرب افتراضية كان أحد أهدافها تحويل الحرب من مواجهة ميدانية إلى تحكم إلكتروني عن بعد (لعبة إلكترونية) من خلال تطوير (42) نموذج محاكاة وبرامج حاسب آلي أو ما أُطلق عليه (Millennium Challenge ‘02’) وكلّف دافعي الضرائب لديه نحو (250) مليون دولار واستمر (30) شهراً وشارك فيه كافة القطاعات، وما على من يريد معرفة المزيد عن هذا الموضوع، وأهدافه الحقيقية، ونتائجه الأولية، وما تبع ذلك ونتج عنه في الواقع الذي يشهده العالم، سوى ضغط أزرار لوحة المفاتيح بعد الاتصال بشبكة المعلومات العنكبوتية والبحث عن المسمى أعلاه.

أما للإجابة على السؤالين الأولين: لماذا نجحت هذه المنهجية سابقاً للحدث العظيم الأخير؟ ولماذا لن تنجح بعده؟ فسأجيب عليهما من خلال مثال يشتمل على ثلاثة أحوال استجابة وتمثل ثلاثة مراحل، وهي قاعدة عامة تنطبق على مستوى العام والخاص، سواء للوضع العربي كما هو على الأفراد والمجتمعات.

فليتصور القاريء الكريم أن "داهيةً" تعامل مع من لا يقل عنه قدرة إلا أن الأخير في حال "توتر"، فظن الأخير أنه غُرر به أو تم التحايل عليه ضمن إطار قانون ما، فمن المرجح أن حالة التوتر ستؤدي به لردة فعل "انفعالية" ينقلب فيها الحق إلى ضده، بل وقد يضيع معها ماضيه، بل وربما مستقبله، وذلك مثبت علمياً. كما ليتصور القاريء أن الأمر تم بين ذلك "الداهيةً" وآخر في حالة من "ضبط للنفس"، إن حالة ضبط النفس "قاسية" بكل ما تعنيه الكلمة، وتتطلب قدراً كبيراً من الصبر والتصبر، وتستنزف الكثير من الموارد، ولكنها في الحد الأدنى تحفظ الحق والمستقبل ولا يضيع معها الماضي، تلك حقيقة علمية أخرى.

الآن.. ليتخيل القاريء الكريم أن الأمر بين "الداهية" وآخر في حالة "هدوء" وتركيز على تقويم داخلي شامل وتطوير متعمق للذات، لا جدال أن الواقع يؤكد أن نتاج ذلك سبب للداهية الأول حالة لم تكن متوقعة من "التوتر الشديد جداً"، فبعد أن ركن على ما يبدو لتدبير الأمور بجهاز "التحكم عن بُعد" إذ غفل عن أن حالة "ضبط النفس" ما هي إلا "مرحلةً انتقالية" مؤقتة، فارتكب "خطأً استراتيجياً" في وقت خانه فيه دهاؤه، فحاول "أمساك العصا من المنتصف" فلا هو استطاع حسم تصنيف "الحدث العظيم الثاني" ولا هو استطاع أن يطبق الإجراء الذي يتوافق مع التصنيف الذي رجحه كما خابت تقديراته بشكل ذريع لنتائجه.

لقد فات على الراعي المفترض وحلفاءه أنه لا يمسك عصاً جامدة، بل أنه يتعامل مع كائن حي كامل القدرة، فانقلبت الأمور وتغيرت عناصر المعادلة البراجماتية ذاتها التي اعتمدها. وأتوقف هنا، على أن ابدأ التفصيل بشأن عدة أمور تضمنها هذا المقال والذي سبقه اعتباراً من المقال التالي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي