درء الخطر العربي (5) : نزعات يائس...!

إن موقف الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض دول الغرب، قد شابه الغموض طوال الفترة اللاحقة لتسونامي الموجة الثانية للحدث العظيم الثاني، فكيف لأمريكا أن تنتهز فرصة عدم الاستقرار في سوريا كذريعة بائسة لإحداث الأثر الأكبر، والمردود الأعلى، وإنزال أقصى عقوبة بالمنطقة العربية على فعلتهم، وتلقين دولها درساً قاسياً على أن جعلوها محصورة وفي موقف المدافع؟ ولماذا بذاك التوقيت بالذات؟

لقد كانت الفترة من نهاية أغسطس إلى منتصف سبتمبر 2013 م حاسمة، حيث مثلت النافذة الضيقة الوحيدة للتنفيذ العاجل والفوري لما هو مدبرٌ تنفيذه على المديين المتوسط والطويل "مجتمعين" وفقاً للمعادلة البراجماتية الأساس وشديدة التعقيد والتشعب، والفكرة بكل بساطة هي أن يتم تهيئة الظروف لإعادة توجيه بوصلة المخطط الإيراني الذي أشار إليه الدكتور/ سعد بن عبدالقادر القويعي في مقاله "خريطة إيران الكبرى.. ترسمها الفضائح!" والمنشور في الجزيرة بتاريخ 28/2/2009 م، واستند فيه لكتاب "التحالف الخائن: الصفقات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأمريكية" للمؤلف (تريت بارسي، 2007 م) وكذلك على تصريحات كل من الأمين العام لحلف (الناتو)/ ياب دي هوب شيفر والذي أكده الجنرال/ جون كرادوك من قيادة الحلف، ومؤداه توسيع النفوذ الإيراني ليشمل بلاد القوقاز وأفغانستان وباكستان وأسيا الوسطى (أو إيران الكبرى)، وبالتالي فبدلاً من أن يقع الكيان المحتل بين جبهات عربية متحدة الرؤية وتستنسخ معطيات تسونامي الحدث العظيم الثاني ونتائجه يتم استغلال ذريعة عدم الاستقرار في سوريا لتنفيذ المخطط المعد للتنفيذ على مراحل طويلة بحملة عسكرية خاطفة.

إلا أنه وعلى عكس ما كان عليه الوضع في الفترة المؤدية للحدث العظيم الأول، والتي تضمنت تجرأ وزير دفاع الكيان المحتل بالإجابة على استغراب الصحافي الهندي رستم خورشيد كارانجيا: "كيف تكشفون خططكم بهذه الطريقة؟" بالرد: "أن العرب لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يستوعبون، وإذا استوعبوا لا يطبقون، وإذا طبقوا لا يأخذون حذرهم"، فقد تنبه العرب لما يًحاك ضدهم وما يجول في أعماق دواخل هؤلاء البراجماتيين الذين أصبحوا ككتابٍ مفتوحٍ يقرأه أبناء العروبة الأحرار بكافة أطيافهم دون عناء وبذكاء فطري حباهم خالقهم به وتوارثوه جيلاً بعد جيل ورسخوه عبر حضارتهم العريقة التي تتجذر في عمق التاريخ وأثبتوا أنهم "يستوعبون" وأنهم متى استوعبوا "يأخذون حذرهم".

إن العلاقة بين إيران والكيان المحتل، ليس بالأمر المستجد، فهذه العلاقة قديمة وسبقت الحدث العظيم الأول، بل هي مرتبطة بذاك الحدث كأحد ذرائع الكيان المحتل للغدر بأرض الكنانة والاعتداء عليها، وبالتالي فبدلاً من أن يكون المد الإيراني تجاه الشرق، أو البدء بالتوجه شرقاً، يتم استغلال الوضع في سوريا ليُعاد توجيه بوصلة الأطماع الإيرانية غرباً، وهو الاتجاه الأكثر ثراء وجدوى، وإطلاق العنان لإيران لوضع المنطقة العربية في مواجهة مباشرة مع ألذ خصومها في الإقليم من خلال دعم امتداد خط المواجهة على حدود برية إضافة لتلك البحرية، والسماح لامتداد نفوذ إيران وولايتها على العراق والشام الذي لا يشمل مزارع شبعا أو مرتفعات الجولان مع البقاع والضفة الغربية فذاك مخصص للكيان المحتل.

ومن نتائج هذا المخطط البراجماتي أن تقع الأردن بين فكي كماشة المد الإيراني من الشرق ومعظم الشمال والكيان المحتل من الغرب، ويستمر بذلك انشغال المنطقة العربية في مناوشات متواصلة مع المد الإيراني، ولا بأس في مقابل حروب إيرانية بالوكالة عن الكيان المحتل أن يتم التغاضي عن موضوع البرنامج النووي (بل قد يكون مكافأة إضافية)، وهو مكتسب ليس أشنع منه مكتسب، فلا حاجة لعملية سلام، ولا تفاوض، ولا حلول، فقد تخلص الكيان المعتدي من صداع عملية السلام نهائياً وقضي الأمر، وعلى المتضرر (المتظلم) اللجوء إلى مجلس الأمن ليواجه بفيتو صارم، أو الإلتجاء للجمعية العمومية للأمم المتحدة للتصويت على ما هو غير ملزم، أو سوى ذلك، ولا ضير من زيادة إحباط شعوب العربية واستسلامها لليأس بعد بوادر التفاؤل بمستقبل أفضل للمنطقة بعد الموجة الأولى للحدث العظيم الثاني.

كما يتم بذلك تحييد تركيا وتحجيم قيامها بدور مؤثر في المنطقة كجزء من معاقبتها على الفشل في تنفيذ المخطط الاخواني الذي كلف تدبيره وتنفيذه جهوداً كبيرة وأموالاً طائلة، ولقد تنبهت دول مجلس التعاون واتخذت من الإجراءات ما تواجه به الأطماع الإيرانية، وفقاً لما نشرته صحيفة "السياسة" الكويتية في عددها الصادر بتاريخ 12 أبريل 2011 م، فيما تعاملت الجامعة العربية مع الأمر "بذكاء فطري".. حيث أرجعت "الملف السوري لمجلس الأمن" وفقاً لتصريح أمين عام الجامعة في 2 سبتمبر للاعلام ليتواجه الغريمين اللدودين روسيا وأمريكا في مشهد مكرر يُذكرنا بما حصل ليلة تنفيذ عملية "فجر" وما تبعها والذي لن تنساه روسيا لأمريكا، فلم تجرِ الأمور وفق المعادلة البراجماتية الإلحاقية التي تم صياغتها "على عجل" لاختزال ما تنطوي عليه المعادلة البراجماتية الأساس وشديدة التعقيد والتشعب، وبذلك أًجبر البراجماتيون مرغمين للعودة إلى "محكمة الرأي العام الأمريكي"، وهو ما سيكون موضوع المقالة التالية بعنوانها الفرعي "عقاب الشعوب!".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي