ما سيناريو نزول أسعار العقارات؟
بدأت عاصفة قوية من التوقعات حول السيناريو المتوقع لنزول أسعار العقارات منذ أكثر من ثلاثة أعوام، حيث كانت بعض تلك التوقعات مفرطة في التفاؤل؛ إذ حددت أشهراً لبدأ النزول كما أنها زادت في التفاؤل بتحديد نسبة النزول المتوقعة التي وصلت إلى أكثر من 50 في المائة خلال فترة وجيزة، معللين توقعاتهم بعوامل عدة على رأسها قرب إقرار نظام جباية رسوم الأراضي البيضاء وعلى المشاريع السكنية التي ستعلن عنها وزارة الإسكان وغيرها من مبررات مختلفة, ولكن يبقى السؤال الحقيقي هنا ما نتائج تلك التوقعات، وهل سيكون نزول أسعار العقارات بهذا الشكل الدراماتيكي خصوصاً أن تلك التوقعات تجاوزت مدة صلاحية التاريخ الذي حددته، وبعضها تخطى العامين من تاريخ توقع النزول.
باعتقادي سبب إخفاق تلك التوقعات يعود إما لقلة الخبرة لدى مطلقيها في السوق العقاري أو بسبب أن غالبيتها بنيت على نظريات بعيدة عن واقع السوق، كما أنها لم تلامس المشكلة الأساسية للأزمة، ولو أردنا عزيزي القارئ توقع سيناريو واقعي لنزول أسعار العقارات في ظل المعطيات الحالية فيجب علينا أولا استقراء التجربة السابقة التي حصل فيها نزول وتصحيح لأسعار العقارات وقيمة الإيجارات التي حصلت عام 1993م؛ إذ سبق تلك التصحيحات انخفاض كبير في أسعار البترول لحقه خفض في الإنفاق الحكومي الأمر الذي أدخل السوق العقاري إلى ركود طويل قبل بدء النزول تجاوز ثلاثة أعوام؛ إذ بدأ الانخفاض في أسعار العقارات بشكل تدريجي، حيث لم يحصل انهيار في أسعار العقارات رغم طول مدة الركود كما حصل في السوق العقاري الأمريكي عام 2008م بسبب أزمة الرهن؛ إذ لم تكن هناك حاجة ملحة لبيع العقارات في السوق السعودي ذلك الوقت؛ لأن الحاجة الملحة لسرعة البيع تخلق فائضاً في المعروض مقارنة بحجم الطلب وبالتالي نزول سريع وكبير في أسعار العقارات؛ وذلك يحصل عندما تكون غالبية ملكيات العقارات في السوق إما مرهونة لدى المصارف أو مشتراة عبر قروض مصرفية بنسبة تزيد على 80 في المائة من مجموع ملكيات العقارات المملوكة نقداً وهذا الأمر لم يحدث بعد؛ إذ إن إحصاءات مؤسسة النقد التي تبين مدى انفتاح المصارف على التمويل العقاري في السوق السعودية لم يتجاوز المائة مليار ريال؛ وهذا الحجم يعتبر متدنيا جدا مقارنة بسوق المملكة العقاري الذي تتجاوز قيمته 50 تريليون ريال.
وهنا يتضح أن النزول في أسعار العقارات في حال حصل فلن يكون بهذه السرعة ولا بهذه النسب الكبيرة التي توقعها بعض المحللين الاقتصاديين رغم وجود تلك المعطيات والمبررات لذلك النزول التي ذكرت التي قد لا يتجاوز تأثيرها ركودا بسيطا في التداول، وقد يلحق ذلك الركود نزول تدريجي في الأسعار إن طال ذلك الركود.
وهذا الأمر لا يدعو للإحباط كما قد يظن البعض، بل على العكس؛ إذ إن النزول التدريجي المعتدل لأسعار العقارات يعد أفضل حال من النزول السريع أو الانهيار في أسعار العقارات سواء كان على الاقتصاد بشكل عام أو على المواطن بشكل خاص، وقد ذكرت مساوئ النزول السريع في مقال سابق بعنوان ماذا يعني انهيار أسعار العقارات؟ كما أن حل أزمة الإسكان من وجهة نظري لا ترتبط بنزول أو ركود في أسعار العقارات، ولكن الحل الحقيقي لأزمة الإسكان يتم عبر خلق طفرة تطوير للوحدات السكنية لشرائح المجتمع كافة يقودها القطاع الخاص.