عن ولعنا بالإجازات .. أيضا
أشكر القراء الذين تفاعلوا مع مقالنا المنشور الثلاثاء الماضي بعنوان "5 أسباب تفسر ولع السعوديين بالإجازات"، سواء عبر "الاقتصادية" أو حسابي في "تويتر" أو بريدي الإلكتروني، وقد تباينت ردود الفعل بين مؤيد ومغاير لوجهة النظر المطروحة في المقال، وكان محور التأييد أو الاختلاف في الأسباب الخمسة التي تدعو السعوديين إلى حب الإجازة، وهي:
1 ـــ قلة وسائل الترفيه في البلد.
2 ـــ قلة دور الحضانة المتاحة أمام المرأة العاملة.
3 ـــ عدم توافر وسائل النقل للمرأة العاملة.
4 ـــ عدم قناعة الأهالي بجودة التعليم.
5 ـــ عدم توافر وسائل السلامة في المدارس.
ومع تقديري واحترامي لكل من طرح وجهة نظر مؤيدة أو غير مؤيدة للمقال، ورغبتي في نشر كل التعقيبات على اختلافها لولا محدودية المساحة هنا، إلا أنني أمد نطاق الشكر للجميع على منحي الفرصة للاستماع إلى أفكار جديدة، مؤملا أن تأذنوا لي بنشر عينة من مداخلاتكم:
المداخلة الأولى
جاءت من عبد الإله التويجري، وهو من المهتمين والمتخصصين في إدارة الموارد البشرية، إذ طرح في رسالته مضيفا إلى الأسباب التي ذكرناها أعلاه، سببا آخر، يكمن في: "غياب التخطيط وضبابية الأهداف والإحباط في العمل أو في الدراسة، وهي من أبرز أسباب الولع بالإجازات".
المداخلة الثانية
بعث عبد العزيز الصائغ رسالة إلكترونية، استهلها بالإشادة بـ "النظرة التحليلية التي تركز على تحديد المشكلة بالضبط لنتمكن من حلها"، ثم تساءل - كما تساءل البعض - عن مدى علاقة الأسباب الثالث والرابع والخامس بحبنا للإجازات، وكان ردي للأخ عبد العزيز، ولغيره ممن حمل التساؤلات ذاتها، إنه:
- إذا وصل الأمر بالمرأة إلى أن تقلق وتحمل هموم الدنيا من أجل توفير وسيلة النقل الملائمة من البيت إلى العمل والعكس، فإنها تتمنى الإجازة على العمل.
- وإذا وصل الأمر بالأهالي إلى أن يشعروا بعدم جدوى الجهد الذي يبذله الطالب والمعلم في المدرسة، فإنهم يتمنون الإجازة على الدراسة.
- وإذا وصل الأمر كذلك بالأهالي إلى أن يشعروا بالقلق الشديد على سلامة أبنائهم وبناتهم من المخاطر الكامنة داخل محيط المدرسة، فإنهم أيضا يتمنون الإجازة على الدراسة.
المداخلة الثالثة
أما المهندس مروان أبو السعود، فقد بعث برسالة إلكترونية طرح فيها مداخلته، مبديا فيها وجهة نظر لا نملك إلا أن نتفق معها، وقد بدأ المداخلة من "كلمة" استوقفته، ووردت في مقال الأسبوع الماضي: "هناك خمسة أسباب تفسر ولع السعوديين بالإجازات، و"تجبرهم" على الهروب من واقع العمل أو الدراسة".
إذ يقول الأخ مروان: السؤال الذي تبادر إلى ذهني "هل السعوديون فعلا مجبورون على الهروب؟"، في رأيي المتواضع، الجواب: "لا"، بل هم تحت تأثير دوافع جامحة للحصول على إجازات بمبررات أو دون، إذن السؤال لماذا الولع بالإجازات؟ أو لماذا الهروب من الالتزام (عمل أو دراسة) وإن بشكل نظامي وقانوني؟ بل أعتقد أن السؤالين يمثلان وجهين لعملة واحدة.
ويوضح مروان: في رأيي المتواضع هنالك عوامل أثرت في المجتمع بالغ الأثر، بدل مفاهيم وقيم جعلت من هذه السلوكيات ظواهر وعوارض لأمراض استفحلت وتمكنت منا لا مَنْزِع عن مواجهتها بكل وضوح، ومن هذه العوامل أذكر منها إضافة إلى ما ذكرتم في مقالكم (المنشور الثلاثاء الماضي):
- القدوة: إن الالتزام هو نتاج ممارسة لهذا المفهوم، لا يمكن أن يتجذر في النفوس بالأحاديث والخطب، فوجود القدوة التي تمارس فن الالتزام بالعمل أو الدراسة يعطي أمثلة حية على نهج ومنوال الحياة المنشودة، وكذلك العمل يحتاج إلى قدوة لترسيخ مبدأ العمل، علما بأن العمل لا يقتصر على الوظيفة فقط، ولا يشترط أن يكون ذا عائد مادي بل يشترط ويجب أن يكون ذا عائد معنوي، إذن، القدوة التي تشعرنا بقيمة العمل والالتزام وأهميتهما وهما عاملان أساسيان لبناء أجيال ترغب بصدق في العمل والدراسة لأنها أصبحت جزءا من عقيدتها وأسلوب حياتها، كارهة الميل للجلوس والتراخي والكسل.
- الأنظمة والقوانين: إن ضبابية بعض الأنظمة والقوانين سواء على مستوى الدولة أم على مستوى المنشآت، وفي بعض الأحيان الاستعجال والتأخر والتنقيح والتعديل المستمر على القوانين، يجعل من بيئة العمل غير مستقرة وغير جاذبة، بل في بعض الأحيان غير منتجة، مما ينعكس سلبا بالضرورة على معنويات الموظفين الذين لا يطيقون صبرا على ذلك بالهروب الاختياري خارج جو العمل، كما أن أغلب المؤسسات العاملة في السعودية مؤسسات "فردية"، وغالبا يكون صاحب القرار فيها شخصا، فلا توجد لوائح داخلية أو أنظمة وتعليمات واضحة تحفظ الحقوق و تميّز الصلاحيات لكل فرد.
- الإنجازات: غياب لذة الإنجازات عن حياة الأشخاص كابوس مزعج، فالعمل له لذتان، لذة العمل، ولذة الإنجاز، إن ذاقهما الشخص، فدونهما خرط القتاد أن يتنازل عنهما، بينما نكهة الإنجازات واضحة بل سافرة في جداول إجازاتنا، فالترتيبات والإمعان في اختيار أفضل الأماكن وأكثرها متعة وذات الطابع التشويقي، فهو إنجاز من أجله يستحق الهروب من بيئة لا إنجاز فيها، وللتوضيح لا أتحدث عن الإنجاز بمعنى توقيع ورقة أو إنهاء إجراء، أتحدث عن معنى أعمق، أن تشعر بأنك لبنة موجودة وقوية في بناء هذا البلد، ولست رقما في "مسير" الرواتب الشهرية!
- الانتماء: إن الانتماء شعور يبني دولا، بل حضارات، كما أن غيابه كفيل بتدميرهما، وبالتالي عدم الشعور بالانتماء للعمل، البيت، المدرسة أو البيئة المحيطة، سبب للرغبة في الهروب بأي وسيلة وعذر.
- العمل التطوعي: هو خلاصة كل ما سبق وهو دون شك يكاد يكون أقل من متواضع في مجتمعاتنا، فهو يصقل الأفكار ويشد من روابطك مع بيئتك، ويعزز العمل الجماعي والانسجام مع الآخرين.
ويختم الصديق مروان مداخلته قائلا: "أنا أؤيد ما ذهبت إليه بأنه لا تنقصنا الكفاءة أو الذكاء أو المهارة، بل هي عوامل اجتمعت لتحبط الكفاءة، وتشتت الذكاء، وتهبط بالمهارة".
أخيرا .. أكرر شكري الجزيل للقراء الذين تفاعلوا، مبديا امتناني لهم على وجهات النظر التي طرحوها، شكرا لكم، وعذرا لمن اتسع القلب لهم، وضاقت مساحة النشر عنهم.
كل عام وأنتم بخير، و"إجازة" سعيدة.