كيف تحصل على «واسطة» في 30 يوما؟

عندما ألتقي الباحثين عن عمل، أتألم حين أرى أن البعض منهم وصل إلى مرحلة متقدمة من الإحباط، معتقدا أنه لن يتمكن من دخول سوق العمل، إلا إذا توافرت له "واسطة"، تضعه في تلك الوظيفة أو تمنحه ذلك الراتب، بل إن البعض يشترط أن تكون هذه "الواسطة" من العيار الثقيل!
لكني، أؤكد لكل باحث أو باحثة عن عمل أن عقبة "الواسطة" ليست سوى مطية للعاجزين أو حجة لغير الراغبين في العمل. إذا أرادوا حقا الدخول إلى سوق العمل، فبإمكانهم "التحرك" للحصول على "الواسطة" التي يريدونها عن طريق بناء شبكة من العلاقات الاجتماعية.
هذه "الواسطة" تقوم بـ "تسهيل" دخولهم إلى سوق العمل، وهي ليست تلك "الواسطة المحرمة" التي تقدم مرشحا غير كفؤ على حساب مرشح كفؤ، وليست تلك التي تجيز لبعض المسؤولين - عند التعيين - أن يفضل أبناء منطقته أو قبيلته أو مذهبه على أبناء الوطن غير المنتمين لرابطته "المقدسة"!
إنما أتحدث عن "واسطة" يمكن أن يخلقها الفرد لنفسه، تجعله يبادر إلى الفعل بدلا من انتظار ما لا يجيء، تجعله ينفض غبار الكسل والاستسلام إلى المجهول، ويبادر إلى الحركة، بدلا من تحديث بيانات "حافز" في الصباح، والسهر في الليل، إنها تلك "الواسطة" التي تمنحه فرصة الوقوف أمام "خشبة التجربة"، والجمهور يتفرج على أدائه، فيخرج في نهاية العرض بـ "معجبين" يثقون بقدراته، ويمكن أن يراهنوا عليه، فإليكم خمس طرق تساعدكم في الحصول على تلك "الواسطة":
أولا: التدريب (التقليدي)
إن الالتحاق ببرنامج تدريبي يتماشى مع تخصصك الدراسي أو اهتماماتك الشخصية يوفر لك فرصة الاحتكاك بالمدرب والمتدربين، والاستفادة من تجارب الآخرين، إضافة إلى اكتساب علاقات جديدة.
في أحد البرامج الإدارية التدريبية التي حضرتها، تعرفت على مجموعة من الزملاء، كان من بينهم المبتعث الخريج "سامي" الذي كان قد عاد لتوه من الولايات المتحدة، حاصلا على درجة الماجستير في إدارة الأعمال، كان "سامي" وقتها يبحث عن وظيفة، وكنت ألاحظ أنه من ضمن "المتدربين" المتميزين، ويظهر ذلك في أسلوبه في النقاش، وطريقة طرحه للحلول، وقدرته على إقناع المجموعة.
بعد انتهاء البرنامج التدريبي بفترة وجيزة، علمت أن صديقي الذي يعمل مديرا عاما للتسويق في إحدى الشركات لديه وظيفة شاغرة، وهنا تبادر إلى ذهني اسم "سامي" وصورته، فاتصلت به، وتأكدت أنه لا يزال يبحث عن عمل بعد أربعة أشهر من عودته إلى الوطن، فطلبت منه السيرة الذاتية، وأرسلتها بدوري إلى صديقي، الذي دعاه وقابله، وأعجب به، وقدم لـ "سامي" عرضا وظيفيا مغريا، والآن بعد مرور سنوات على هذه القصة، أتعلمون أين "سامي" الآن؟ لقد تدرج في العمل حتى شغل منصب صديقي الذي ترقى إلى فرصة أعلى.
ثانيا: التدريب الصيفي والتعاوني
يمكن للطالب في المرحلة الثانوية أن يلتحق بفرص التدريب الصيفي لدى الشركات، بينما طلاب الجامعات تتوافر أمامهم فرصتا التدريب الصيفي والتعاوني.
في يوليو 2008، طرق باب الشركة التي كنت أعمل فيها شاب مهذب، لم يتجاوز عمره آنذاك 23 عاما، جاء دون موعد، مستفسرا عن إمكانية التدرب خلال فترة الصيف، وعلى الفور رحبنا بالمتدرب خالد خلف الدوسري، وتدرب لمدة ثلاثة أشهر. كان خلالها يعمل بإنتاجية وجودة تفوق ما كان يقدمه بعض الموظفين المتفرغين في الشركة، وبعد انتهاء موسم الصيف عرضنا عليه فرصة العمل بدوام جزئي لا يتعارض مع دراسته الجامعية، وبعدئذ عمل معنا بدوام كامل، وبوظيفة "منسق موارد بشرية".
وعندما انتقلت للعمل في شركة أخرى، كانت هناك فرص شاغرة، وتذكرت "خالد"، فعرضت عليه فرصة العمل معنا في الشركة الجديدة، بوظيفة "منسق توظيف"، وقبل بالعرض، فعملنا سويا، وثابر وتميز إلى أن ترقى إلى "مشرف توظيف"، وهنا بدأت جهات خارجية تستقطبه، فخرج بذكرى طيبة، وها هو الآن مدير للتوظيف والتوطين في شركة "الجميح" القابضة بعد ست سنوات من حصوله على فرصة التدريب الصيفي.
ثالثا: العمل التطوعي
إن "التطوع" بالعمل مع الجمعيات والمؤسسات الخيرية والاجتماعية يمكن أن يفتح فرصا أمام الباحث عن عمل، رغم أن البعض قد يستصعب فكرة العمل دون أجر، لكن هذا العمل الذي "تؤجر" عليه عند رب العالمين، مع حصولك على التقدير من مجتمعك، أفضل بكثير من جلوسك في المنزلdoing nothing أو منتظرا فرصة قد لا تأتي.
في السعودية، هناك 650 جمعية خيرية، و121 مؤسسة خيرية، منتشرة في كل مناطق الوطن، وتتفاوت أنشطتها وأعمالها، أفلا يمكن للباحث أو الباحثة عن عمل أن يقضي فترة وجيزة "متطوعا" للعمل في إحدها؟
ذات يوم، تقدم شاب سعودي لا يملك سوى شهادة الثانوية العامة إلى الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام في منطقة الرياض (إنسان) مبديا رغبته في العمل التطوعي، وسرعان ما رحبت به الجمعية، وباشر أولى مهامه "التطوعية" مع الجمعية في موسم الحج، وأظهر الجدية والالتزام الذي عزز إعجاب مسؤولي "إنسان" به، وبعد انتهاء موسم الحج بفترة بسيطة، عرضت عليه الجمعية فرصة وظيفية للعمل في إدارة الجودة، وقبل بها واستطاع أيضا أن ينتسب بالدراسة الجامعية، وظل يعمل في "إنسان" لمدة عامين، حتى جاءته فرصة وظيفية في مكان آخر.
رابعا: العضوية في الجمعيات
حتى لو كنت طالبا أو باحثا عن عمل تستطيع أن تنضم إلى عضوية جمعية مهنية في مجال تخصصك، وللمهتمين بالإدارة، يمكنهم الالتحاق بالجمعية السعودية للإدارة، والحصول على بعض المزايا التي تساعدك على توثيق العلاقات مع الآخرين، ومنها:
- لقاء زملاء المهنة والمتخصصين والخبراء في مجال الإدارة والاستفادة من معلوماتهم وأفكارهم ‏وخبراتهم. ‏
- حضور فعاليات ونشاطات الجمعية مثل اللقاءات السنوية والندوات والأمسيات ‏والدورات التدريبية والرحلات‏.
من جهة أخرى، أسس مجموعة من الزملاء في مدينة الرياض "النادي السعودي لرأس المال البشري" في أواخر عام 2012، ومن ذلك الحين، وهو يشكل تجمعا للعاملين والممارسين لإدارة الموارد البشرية من خلال أمسيات تنظم بين فترة وأخرى.
خامسا: المشاركة في الفعاليات
حتى لو لم تكن منتميا لجمعية مهنية، فبإمكانك المشاركة في الندوات والمؤتمرات ومعارض التوظيف، فاحرص – أيها الباحث عن عمل - على ألا يمر شهر من حياتك إلا وأنت تحضر فعالية هنا أو هناك، علما أن الكثير من هذه الفعاليات تكون فيها "الدعوة عامة"، أي أنك لن ترهق نفسك أو ترهق أسرتك بدفع مبالغ إضافية، وبعض هذه الفعاليات تمنحك "شهادة" عند المشاركة فيها، والبعض الآخر يكفيك منها أنك تجدد معرفتك، وتكتسب صداقات جديدة.
أخيرا..
ستجد أن المعادلة الذهبية تتمحور في:
كن إيجابيا وبادر بالفعل في محيطك، كن سببا لإحداث التغيير لنفسك وظروفك، اكتسب معارف ومهارات وعلاقات جديدة، ضع لنفسك خطة بأهداف واضحة ومحددة، أضف لذاتك قيمة، فهكذا تفتح لنفسك أبوابا لم تخطر على بالك، اذهب إلى الأرض، احفر واستخرج "الكنوز"، فالسماء يا صديقي لا تمطر ذهبا ولا فضة!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي