هل «تعيش» الملاذات المصرفية بخدمات مشروعة؟

تشن الولايات المتحدة حملة قوية ضد ما يمكن تسميته "الملاذات الآمنة المصرفية"، وقد بدأت دول الاتحاد الأوروبي خطواتها الأولى في هذا المجال، على صعيد التهرب الضريبي، بعد أن اشتركت بالفعل ضمن نطاق استراتيجية أطلقتها مجموعة العشرين، في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية، ضد الملاذات الضريبية والمصرفية الآمنة. وهذه تدخل ضمن نطاقها بالطبع، عمليات غسل الأموال بأنواعها ومصادرها. فالملاذات المصرفية الآمنة، هي في الواقع خليط من كل شيء تقريبا، يبدأ بالأموال الناتجة من أعمال غير مشروعة، ولا ينتهي بالتهرب الضريبي. كما أنها لا تختص بمؤسسات أو شركات أو هيئات تجارية اعتبارية، بل تشمل أيضا الأفراد، الذين يفضلون تحويل رواتبهم الشهرية إليها، هربا من الضرائب المرتفعة جدا على الدخل في بلدانهم الأصلية.
ولا شك في أن السنوات القليلة الماضية شهدت موجة متعددة المسارات ضد الملاذات المصرفية الآمنة، ويعود السبب الأول في ذلك، إلى بحث الحكومات عن أي أموال، لسد العجز في ميزانياتها التي تضررت (ولا تزال) من تبعات الأزمة العالمية. ولو لم تقع هذه الأزمة، لربما ظلت وتيرة استهداف الملاذات على حالها البطيئة أو المتقاعسة. ففي الأزمات، تظهر أهمية مصادر الأموال المنسية أو على الأقل التي لا تخضع للملاحقة. وقد نجحت حملة الولايات المتحدة ضد المتهربين الأمريكيين من الضرائب بصورة مذهلة وسريعة، ووافقت المصارف على فتح أرصدة عملائها للسلطات الأمريكية، بما في ذلك مصارف في مناطق تعد ملاذات مالية آمنة، وعلى رأسها سويسرا، التي وافقت على مضض.
وفي غضون عامين من الآن تقريباً، سيكون في الاتحاد الأوروبي نظام بيانات مصرفية موحد، حيث يمثل خطوة مهمة وكبيرة على صعيد ملاحقة المتهربين بأموالهم من بلدانهم. وقد شجع النجاح الأمريكي المشار إليه الأوروبيين على وضع ما يمكن وصفه بـ "خريطة طريق" للوصول إلى أفضل صيغة ليس فقط لمحاربة الملاذات المصرفية الآمنة، بل أيضا للحصول على ما أمكن من أموال المتهربين من الضرائب. وفي الشرق الأوسط، أبدت السلطات المالية مرونة كبيرة مع الحملة الأمريكية، الأمر الذي يبشر ما بقي من الحكومات في العالم، بأن المسار الأمريكي في هذا الصدد يمكن اتباعه وتحقيق المنجزات من خلاله. وحتى في دول إفريقية، وأشباه دول من تلك المنتشرة في المحيطات وما وراء البحار، فإن الأمور تجري ضد الملاذات المصرفية.
وأمام هذه التطورات، وفي ظل التعاون الدولي في هذا المجال، فإن حظوظ الملاذات المصرفية الآمنة بالبقاء طويلا، تتراجع. والحقيقة أن القوانين التي تصدرها الحكومات بهذا الخصوص، باتت أكثر سرعة في الإقرار مما كانت عليه في السابق. يضاف إلى ذلك، أن الحكومات التي لا تريد الوجود لهذه الملاذات، مكنت تحركاتها وقوانينها بسلسلة من العقوبات، يمكن أن تدمر أكبر وأقوى المصارف. ولهذا السبب أسرع عديد من هذه المصارف إلى التوصل لاتفاقات مع السلطات المالية الأمريكية، خوفا من السلطات القضائية الأمريكية، والأهم خوفا من الغرامات الهائلة التي قد تفرض عليها، في حال عدم تعاونها واحترامها للقوانين الجديدة.
ولا شك في أن الملاذات المشار إليها، ستحاول ما استطاعت الحفاظ على بعض الامتيازات التي تشكل أساساً لوجودها. ولكن لا تبدو في الأفق أي مؤشرات على مرونة ما من جانب الحكومات التي تستهدفها. فهذه الحكومات لا تفكر أصلاً في تجزئة مخططاتها، وهي تعتقد أن العقود الماضية التي شهدت العصر الذهبي لهذه الملاذات، يجب أن تنتهي إلى الأبد. وعلى الملاذات المذكورة، إعادة صياغة وجودها في السنوات القليلة المقبلة. ولكن هل تتحمّل البقاء من خلال خدمات مصرفية مشروعة؟ أغلب الظن، لا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي