الحكومة إلكترونية.. والرسوم لم تتغير!

في السعودية، بدأ التوجه نحو الحكومة الإلكترونية في آذار (مارس) 2003، عندما كلف رئيس مجلس الوزراء وزارة المالية بإنشاء برنامج للحكومة الإلكترونية، وبعدها بثلاثة أشهر، أنيط لوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات مهمة الإشراف على قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، ووضع الخطط التطويرية للقطاع وتنفيذها، ومن ضمنها ما يتعلق بتطبيق التعاملات الإلكترونية الحكومية.
وفي عام 2005، أنشأت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات برنامج التعاملات الإلكترونية الحكومية (يسر) بمشاركة كل من وزارة المالية، وهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، ومنذ ذلك التاريخ أصبحنا نشهد اشتعال المنافسة بين الجهات الحكومية، وتسابقها على تقديم خدمات إلكترونية، تفاوتت مستوياتها، وفقا لمعايير الجودة والسرعة والتكلفة.
وبحسب الدراسة التي أجرتها الأمم المتحدة هذا العام (2014) عن الخدمات الإلكترونية الحكومية المقدمة في 193 بلدا في العالم، فقد جاءت السعودية في المرتبة الـ36 عالميا (الثالثة خليجيا بعد البحرين والإمارات) محققة الدرجة 0.6900 على مؤشر تطور الخدمات الإلكترونية الحكومية، مقارنة مثلا بـ"كوريا الجنوبية" الدولة التي حظيت بالمرتبة الأولى عالميا في تقديمها لخدمات إلكترونية حكومية، وبدرجة تبلغ 0.9462 على ذلك المؤشر.
كما أظهرت دراسة أجراها باحثون من جامعة جازان كانون الثاني (يناير) 2009، نشرت باللغة الإنجليزية، في إحدى الدوريات العلمية بعنوان "الحكومة الإلكترونية في السعودية: ثورة إيجابية في الجزيرة العربية" بأن هناك 11 مزية من مزايا الخدمات الإلكترونية الحكومية، تتمثل في:
- زيادة مستوى شفافية ووضوح الإجراءات الحكومية.
- الحد من مستوى الفساد في القطاع الحكومي.
- تعزيز ثقة المستثمرين الوطنيين والأجانب تجاه اقتصاد البلد.
- رفع كفاءة الحكومة وتوفير الوقت والجهد والموارد.
- رفع جودة وسرعة الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين.
- المساهمة في دعم القطاع الخاص، وخاصة المنشآت المتوسطة والصغيرة.
- تعزيز التوجه نحو لامركزية الحكومة، وفك "احتكار" المعلومات من قبل بعض الجهات.
- زيادة مستوى الربط (integration) بين الجهات الحكومية عبر أنظمة تتيح تبادل المعلومات وتحديثها.
- إتاحة المجال للمسؤولين الحكوميين للتعلم من تجارب الماضي، والحصول على بيانات وإحصائيات عن الخدمات أو المشروعات السابقة.
- تحفيز قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في البلد.
- تقريب الاتصالات وتقنية المعلومات من احتياجات المواطنين ومتطلباتهم في الحياة.
ومع ذلك، فلا توجد دراسات تربط بين العلاقة بين رسوم الخدمات الحكومية (التقليدية والإلكترونية) وبين تكلفة إنتاج كل خدمة حكومية بما في ذلك احتساب رواتب العاملين، ولعل أحد أسباب غيابها أن رسوم الخدمات الحكومية - وهي إحدى الإيرادات الثماني للحكومة – يتم تحصيلها إلى خزينة واحدة (وزارة المالية)، ومن هنا تتجمع، ويعاد توزيعها عند إعداد وصرف الميزانية.
وإذا نظرنا إلى أحد أنظمة مؤسسة النقد العربي السعودي، وهو نظام "سداد" للمدفوعات، فسوف نجد أن هناك مجموعة من الجهات (المفوترة) المرتبطة بالنظام، من ضمنها 62 جهة حكومية تفرض رسوما على خدماتها المقدمة للمواطنين والمقيمين، لذا، لا أتصور أن هذه الجهات قد أجرت أي دراسات تربط بين رسوم الخدمات الإلكترونية الحكومية (مثل إصدار/ تجديد جواز سفر، أو إصدار/ تجديد رخصة إقامة، أو إصدار تأشيرة عمل، أو إصدار/ تجديد سجل تجاري)، وبين تكلفة إنتاج هذه الخدمات!
بالمنطق، هل يمكن أن نتصور أن "تكلفة" إصدار تأشيرة العمل هي ذاتها 2000 ريال، قبل وبعد تقديم الخدمات الإلكترونية؟ وهل يمكن أن تساوي وزارة العمل الرسم ذاته (2000 ريال) على تأشيرات عمالة المنازل وعمالة المؤسسات؟
إن التساؤلات ذاتها تسري على رسوم إصدار أو تجديد جوازات السفر، ورخص الإقامات، والسجلات التجارية، وغيرها، فكلها رسوم لم تتغير لا قبل تطبيق الخدمات الإلكترونية ولا بعدها، فهل يعقل أن يتحمل المواطن التكلفة ذاتها في ظل التقنية التي تقلل من الاعتماد على البشر؟ وهل نقارن بين تكلفة خدمة "تقليدية" تستلزم 100 موظف لإنتاجها، وبين خدمة "إلكترونية" لا تحتاج سوى عشرة موظفين أو أقل!
لهذا، فإنني أناشد "الحكماء" في مجلس الوزراء السعودي بالتخفيف من كاهل المواطن من خلال إعادة النظر في رسوم الخدمات الحكومية بما يتماشى مع انخفاض تكلفة تقديمها في ظل تزايد توجهنا نحو الحكومة الإلكترونية، ولا سيما أن تكاليف إنشاء أنظمة الخدمات الإلكترونية الحكومية قد جرى استيفاؤها منذ 2005 (من الإيرادات الهائلة من الرسوم بمقاديرها التي لم تتغير)، ولم يتبق الآن إلا تكاليف أقل بكثير ترتبط بتشغيل هذه الأنظمة وصيانتها وتطويرها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي