«جوكي» .. ماكينة الخياطة المولودة من رحم الحرب العالمية الأولى
الشركة التي مقرها طوكيو، والتي بدأت في صنع آلات الخياطة في عام 1947، لديها عملاء في 170 بلدا، من الصين إلى الفاتيكان. وفي حين أن بعض الشركات المصنعة الكبيرة ــ مثل سوني ــ التي كانت مرادفا لنهضة اليابان، فقدت بريقها، تعتبر جوكي مثالا للشركات غير المعروفة على نطاق واسع التي تعمل على استدامة الاقتصاد الياباني.
تعتبر هذه الشركة لاعبا رئيسيا في الصناعة، باستحواذها على حصة تبلغ 30 في المائة من السوق، وتمتعها بشعبية خاصة بين الشركات المصنعة التي تنتج لشركات تجارة التجزئة متعددة الجنسيات. يقول جيرهارد فلاتز، العضو المنتدب لمصنع الملابس الصينية KTC، الذي يستخدم جوكي بنسبة تبلغ أكثر من 90 في المائة من آلياته: "الأمر أشبه بالتفضيل الشخصي، مثل اختيار سيارة". ويضيف: "لكن آلات جوكي موثوق بها مثل الحصان المولود للمهمات الصعبة".
تقول TAL، شركة صناعة الملابس في هونج كونج التي تشمل قائمة عملائها بروكس براذرز وبيربري، إن 80 في المائة على الأقل من آلاتها هي من علامة جوكي. هاري لي، رئيس مجلس إدارة TAL والقيادي البارز في تجارة الملابس في هونج كونج، يقول إن المجموعة اليابانية تدين بنجاحها إلى العلاقة الوثيقة التي أنشأتها مع عملائها.
ناوتيك مياشيتا، رئيس أعمال ماكينات جوكي، الذي يقضي نصف الوقت في زيارة عملائه، يؤكد أيضا أهمية العلاقات ومدى سرعة استجابة الشركة. ويقول مازحا: "عندما يكون لدى TAL مشكلة، نسمع ذلك من هاري لي"، ويضيف: "لقد تم استدعائي عدة مرات خلال علاقتنا الطويلة".
جذور الشركة المدرجة في طوكيو تعود إلى الحرب العالمية الثانية. عندما نفدت البندقية الأكثر شعبية من الجيش في عام 1938، اجتمعت المصانع الصغيرة معا لتشكيل مجموعة لإنتاج بنادق تايب 99، التي تسمى جوكي باللغة اليابانية. وفي الوقت الذي تلاشى فيه الطلب على البنادق بعد الحرب، تحولت جوكي لصنع ماكينات الخياطة المنزلية والصناعية. وأرادت المجموعة الحفاظ على الاسم، لكن كتبت كلمة جوكي بأحرف يابانية مختلفة تعني الآليات الثقيلة، بدلا من البنادق.
وفي حين أن جوكي تصنع أيضا الروبوتات لوضع المكونات على لوحات الدوائر، توفر أعمالها لتصنيع ماكينات الخياطة ــ التي تولد 73 في المائة من حجم أعمالها ــ نافذة على الاتجاهات في قطاع النسيج العالمي.
في عام 1970 افتتحت المجموعة أول شركة تابعة لها في الخارج، في هونج كونج، التي كانت في ذلك الحين مركز صناعة النسيج العالمية. وبعد فترة وجيزة فعلت الشيء نفسه في أوروبا، وانتقلت لاحقا إلى الولايات المتحدة. ويقول مياشيتا، متحدثا من مقر جوكي غربي طوكيو، إن الشركة دخلت إلى الصين في عام 1976 عندما فازت بعقد لتزويد مصنع ملابس مملوك للدولة، كان لديه 32 معملا في جميع أنحاء البلاد.
وبعد أن أطلق دينج زياوبينج الإصلاحات الاقتصادية في عام 1979، زادت من طلبيات الشراء ــ وهو اتجاه استمر في الوقت الذي نقلت فيه شركات هونج كونج الإنتاج عبر الحدود، وتسارع في أعقاب الأزمة المالية الآسيوية عام 1997. ويقول مياشيتا: "حتى ذلك الحين، وعلى الرغم من أن الصين كانت قد بدأت الإصلاحات، كان لا يزال هناك نقص في رأس المال والبنية التحتية".
وقررت شركات مثل وول مارت ونايكي وأديداس أن الصين كانت أكثر استقرارا، لأن الحكومة عزلت البلاد من أزمة العملة، وبسبب وجود وفرة في العمالة الرخيصة.
ويتذكر التنفيذي الياباني "كان الوضع في الصين مختلفا جدا عن الوضع اليوم (...) عندما يعلن مصنع عن حاجته لألف شخص، تجد عشرة آلاف شخص يتجمعون خارج البوابة". وفي الوقت الذي أخذ فيه المزيد من المصانع ينتقل إلى الصين، بدأت الشركة تضع في حسبانها الحصول على حصة أكبر من المبيعات العالمية، وهو ما رفع النسبة إلى 50 في المائة في عام 2000 والبقاء على هذه النسبة خلال معظم العقد. تغير كل شيء في عام 2005. الصين حررت عملتها من الدولار الأمريكي وسمحت بارتفاع قيمتها ببطء، الأمر الذي زاد بدوره من تكاليف التصنيع. ثم قدمت في عام 2008 قانون العمل الجديد الذي تضمن تمتع العمال بظروف أفضل، لكنه زاد بشكل عجيب من تكاليف العمل.
وبحسب مياشيتا: "ارتفعت التكاليف، وواصل الرنمينبي زيادة قوته، وبدأت الأرباح في الانخفاض". وأضاف "قال تجار التجزئة إن الصين أصبحت صعبة وبدأوا ببطء في نقل الطلبيات إلى جنوب شرقي آسيا".
وفي الوقت الحالي 25 في المائة من مبيعات جوكي في الصين. وفي العقود الأخيرة توسعت جوكي بنجاح في جميع أنحاء العالم، تاركة منافسها الياباني الرئيسي، براذر، في أعقابها. لكن جاكي تواجه اليوم تحديا من منافس جديد هو شركة جاك الصينية التي تستحوذ على حصة تبلغ 12 في المائة من السوق العالمية.
ويتذكر مياشيتا رحلة واحدة إلى بنجلادش اقتاده خلالها رئيس شركة عميلة قديمة إلى جولة حول المصنع ليريه كيف يجري تشغيل آلات الخياطة. "قال لي إن كل آليات الشركة من جوكي، لكن بمجرد أن دخلنا المصنع أدركت أنها كانت من جاك". وقال بابتسامة "نحن جوكي وهم جاك مع استخدام البنط نفسه بالضبط".
ويدعي أنه في مناسبات أخرى كانت المصانع تتصل به للشكوى من أن آلات جوكي الجديدة تعطلت، ليقال له بعدها بأن معدات المعمل كانت في الواقع من صناعة شركة صينية مقرها في تايتشو، وهي مدينة في مقاطعة تشجيانج، حيث توجد معظم شركات إنتاج مكائن الخياطة.
هذه القضية تسلط الضوء على مشكلة يواجهها كثير من الشركات الأجنبية في الصين هي نسخ العلامات التجارية. يقول مياشيتا "كانت هناك شركة صينية تسمى جوكل، لكننا رفعنا دعوى ضدهم وذهبوا في حال سبيلهم".
مياشيتا، الذي قضى أكثر من عقدين من الزمن في هونج كونج وشنغهاي وهو يبني أعمال جوكي في الصين، يقول إن الشركات الصينية الأخرى تحاول أيضا الدخول في المنافسة.
وقد استحدثت إحدى الشركات من فوجي علامة تجارية باسم "بروسيستر"، الذي يشبه اسم الشركة المصنعة المنافسة، براذر. ويقول "إنهم يتوصلون حقا لأسماء مذهلة".