القيادة الفاعلة في زمن التحديات «2 من 2»
أستكمل اليوم حديثي معكم الذي بدأته في مقالي السابق، عما تضمنه مؤتمر "القيادات الإدارية الحكومية في المملكة العربية السعودية .. الواقع والتطلعات"، الذي نظمه معهد الإدارة العامة في الفترة 12-10/صفر/1436 هـ. تبنى الحضارات وأمجاد الأمم العظيمة بتواصل الأجيال مع بعضها البعض، حتى تقوم الأجيال الحالية بتسليم الراية للأجيال المستقبلية، لتكمل هي الأخرى مسيرة "الركض" في مساعي البناء. وكأن الشاعر العربي قصد هذا المعنى عندما قال:
إذا سيد منا خلا قام سيد ** قؤول لما قال الكرام فعول
من المؤكد أن الشاعر لم يقصد الحديث بتفكير منهجي عن أهمية "تسلسل القيادات"، لكن بطبيعته الفطرية استطاع فعلا أن يبين أهمية عدم وجود "فراغ قيادي".
كانت تلك هي استهلالية عرضي الذي تشرفت بتقديمه في المؤتمر، الذي تحدثت من خلاله عن مفهوم لم يأخذ حقه الكافي نظريا وعمليا رغم أهميته البالغة. كان العنوان: "تخطيط تعاقب القيادات الإدارية الحكومية في المملكة العربية السعودية". ناقشت من خلاله مدى تطبيق مفهوم تخطيط التعاقب القيادي Succession Planning، متطلبات التطبيق، وأهم الصعوبات التي تواجه ذلك. لا يختلف اثنان على أن القادة الأكفاء هم من أهم الموارد الاستراتيجية التي تحرص المنظمات على استقطابها وتطويرها والمحافظة عليها، فهم من يقودون المنظمة إلى فضاءات التميز والنجاح. ولعل أبرز أزمة قيادية هي تلك التي خلفها سقوط مركز التجارة العالمي في أحداث "الحادي عشر من سبتمبر"، التي تمثلت في فقدان 172 من كبار المسؤولين التنفيذيين ممن يشغلون مناصب "نائب رئيس" لعديد من المنظمات، ما جعل هذه المنظمات "فجأة" دون قيادات!
وهكذا، يبدو جليا الأهمية الدائمة لوجود "مواهب تنفيذية" لتحمل المسؤولية، كما ينبغي وقت الحاجة أيضا عدم الخلط بين أسلوب "الاستبدال الطارئ" ومنهجية "تخطيط تعاقب القيادات"، التي يجب أن تكون أعمق من مجرد عملية استبدال فورية نحتاج إليها أوقات الأزمات فقط. فتخطيط التعاقب القيادي لا يتم بشكل اجتهادي وعشوائي وارتجالي، بل يجب أن يكون منضبطا بسياسات ومعايير وضوابط واضحة ودقيقة، وشروط معتمدة سابقا، حتى تتم عملية التخطيط بكفاءة وفاعلية.
ولعل من أبرز قطاف الدراسة، التوصية بضرورة نشر الوعي بأهمية تخطيط التعاقب القيادي، تفعيل دور الرقابة من الجهات المتخصصة، توجيه الأجهزة الحكومية بضرورة إعلان توجهاتها الاستراتيجية وفق خطة شاملة تعدها "وزارة الاقتصاد والتخطيط"، ووجود "برنامج وطني" لاكتشاف القيادات الحكومية، على أن يدير البرنامج "معهد الإدارة العامة" بحكم ارتباطه التدريبي بالجهات الحكومية.
كما قدمت الدراسة، في ضوء النتائج والتوصيات "تصورا مقترحا"، كنظام متكامل، تقوم من خلاله "الإدارة الاستراتيجية" بتقديم رؤيتها كخطوط عريضة لتخطيط التعاقب القيادي. وتتولى "إدارة الموارد البشرية" تحديد الاحتياجات على شكل برامج تدريبية وتأهيلية. وفي حين تتولى "إدارة المواهب" اكتشاف المواهب القيادية، تقوم "إدارة الأداء" برصد أداء البرامج والمتدربين. ويتم الرفع بعد ذلك بتغذية عكسية من "إدارتي المواهب والأداء" إلى "إدارة الموارد البشرية"، التي تقوم بدورها بالرفع إلى "الإدارة الاستراتيجية"، لتحسين منظورها وتحديث أدواتها ورؤيتها.وأخيرا، فإن تخطيط التعاقب القيادي هو ما يجب أن يفكر فيه القادة ومسيرو المنظمات، فالقائد الحقيقي هو الذي يصنع القادة.