بداية «الاختيار» المميز.. «اختبار» مميز

(لم أندم على قرار واحد، بتعيين مسؤول واحد. كان السبب - بعد توفيق الله- أنني لم أنظر قط إلى الاعتبارات الشخصية). مقولة "واثقة" لصاحب الفكر المستنير، الدكتور غازي القصيبي رحمه الله. أعتقد أن المغزى منها يشخص أمورا كثيرة ما لا يمكن "البوح" أو "التلميح" بها.
تسيطر ثقافة على الكثير من الأجهزة الحكومية، هي أنه على المراجع أن يفكر مليا ويعد العدة قبل طلب أي خدمة. وفي الحقيقة، فإن الكثير من الممارسات التي ترافق عملية تقديم الخدمة العامة، هي في الأساس نتاج حتمي لضعف المعايير المهنية والأخلاقية، وغياب التقييم الموضوعي لأداء الموظفين، وضعف نظم الشفافية والمساءلة. ما قد يؤدي إلى إيجاد بيئة عمل غير محفزة، يسهل فيها الطريق لغير الأكفاء للتعيين على وظائف لا يستحقونها. وتستمر حالة الخلل باستمرارهم في الوظيفة التي أصبح ينظر إليها على أنها "ضمانة اجتماعية"، و"سلعة عامة" يسعى إليها الجميع، ما أسهم في تكوين تلك النظرة الخاطئة من قبل المجتمع - بشكل عام- عن "ماهية الوظيفة العامة".
ولو عدنا قليلا إلى تسلسل عملية التوظيف الحكومي، لتحديد جذور المشكلة، لوجدنا أن المسألة مرتبطة بالجزء الأهم في منظومة التوظيف، وهي عملية "الاختيار"، ومنها تبرز أهمية النشاط المهم فيها، وهو "الاختبارات الوظيفية". فلقد نصت المادة الأولى في نظام الخدمة المدنية السعودية على أن "الجدارة هي الأساس في اختيار الموظفين لشغل الوظيفة العامة في القطاع الحكومي". إلا أن التطبيق الفعلي لمبدأ الجدارة يتطلب وجود الآليات الواضحة، والجداول الزمنية، وقبلها وجود معايير مقننة وشاملة ومدروسة لقياس المهارات والقدرات الإدارية والفنية، لتسير العملية على الوجه الصحيح.
وفي خطوة مهمة نحو تعميم المعايير الموضوعية في الاختيار لشغل الوظائف الحكومية، بهدف الارتقاء في الأداء الحكومي في المقام الأول، وترسيخ "المهنية" في وظائف الخدمة المدنية. أقرت وزارة الخدمة المدنية "اختبارات الاختيار الوظيفي" لوظائف السلم العام للمرتبتين السادسة والسابعة كخطوة أولى، ليتم تعميمها لاحقا على بقية الوظائف العامة. هذه الخطوة تعد بحق مفتاحا لاكتشاف الكفاءات المتقدمة للوظائف، في سبيل تحسين الخدمات المقدمة وتحسين الإنتاجية في الأجهزة الحكومية.
هذه الاختبارات الوظيفية كفيلة بضمان إدارة سليمة للمورد البشري، الذي يعد "حجر الزاوية" في المنظمات. كما أنها تستند إلى الهدف الرئيس المتمثل في (وضع الشخص المناسب في المكان المناسب). إضافة إلى أن دقة هذه الاختبارات، وموضوعيتها، واستخدام المقاييس المناسبة من خلالها، ستؤدي بالضرورة إلى نجاح عملية اختيار الكفاءات في أجهزتنا الحكومية. كما أنها تؤكد على معايير الكفاءة والجدارة في التعيين على الوظائف العامة، التي كادت أن تختفي تحت مظلة عديد من الاعتبارات غير الموضوعية، في ظل تشابك وتداخل الثقافة الاجتماعية، والثقافة التنظيمية.
أخيرا وليس آخرا، ولأنه لا يختلف اثنان على الأهمية البالغة للتدقيق في اختيار القيادات، فقد يكون من المناسب أن يتم تطبيق آليات موضوعية "كهذه الاختبارات الوظيفية" لتقنين عملية اختيار كبار موظفي الخدمة المدنية، على غرار أسلوب مراكز التقييم العالمية assessment Centers، من خلال مراكز وطنية احترافية، متفرغة لإجراء تقويم شامل للمرشحين لشغل الوظائف القيادية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي