الجحيم أن تكون وزيرا
صاحب المنصب والجاه مغبوط من المحب ومحسود من الكاره. لكن بريق الصورة يتغير تدريجيا؛ إذ إن المسؤول الآن صار عرضة للنقد الشديد، إن لم يكن من خلال المنابر الرسمية؛ فإن ذلك يتم بالتأكيد من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.
وأعرف جهات عدة، تولي الرصد الإلكتروني مكانة عالية، ليس من أجل الحساب والعقاب ضد الناقد، ولكن لأن هذه المواقع صارت أداة من أدوات قياس الرأي العام، والتعرف على الصورة النمطية، والسعي إلى تحسينها.
شاركت قبل فترة في ورشة نظمتها إحدى المنشآت حول تحسين الصورة. قلت لهم أولى الخطوات أن تعيدوا صياغة خطابكم الإعلامي بشكل يجعلكم قريبين من الخبر والشائعة، حيث تتفاعلون مع الحدث بشكل مباشر، ولا يتم تأجيل الموضوع باعتبار أن الدوام انتهى وصاحب الصلاحية نائم.
لم يعد الوزير يهنأ باله بعسل المنصب؛ إذ إن الأشواك تصادفه في كل لحظة. وهناك أناس يعتقدون أنهم صناع حلول، ويتحولون إلى ممارسة الافتراس لأن هذه الوزارة أو تلك لا تتجاوب مع ما يطرحونه.
والوزير أحيانا يمارس صمتا مستفزا بالنسبة للناقد، لكن لسان حال هذا الوزير يقول "في فمي ماء" فهو لا يجرؤ أن يقول إن زميله الآخر في الوزارة يعطل جزءا من خطط الوزارة، لأن صلاحياته تتوقف عند جزئية معينة، ولا يمكنه تجاوزها حتى يوافق الوزير الآخر.
كثيرة هي المشاريع التي يتم إجهاضها، لأن الصلاحيات تتقاطع، وليس هناك تفويض مطلق لأي مسؤول، وبالتالي يصبح ميلاد نظام أو مشروع مسألة تستغرق وقتا طويلا منذ إعلان ميلاده جنينا في الوزارة، وحتى يبدأ في التشكل ويأخذ مساراته حتى ينتهي إلى مشروع قرار يصدر من مجلس الوزراء.
عسل المنصب؛ أيا كان؛ ثمنه باهظ، والقابعون على الرصيف من الطامحين، كثير منهم يريد عسلا دون أن يدفع الثمن. البعض يخرج من المنصب؛ يتوكأ على ذكرياته وسلسلة من الأمراض التي تجعله يقضي بقية وقته بعد تقاعده كمسؤول وهو يحاول العلاج منها.
قلت أكثر من مرة إن وزراءنا المتقاعدين لديهم مهمة نبيلة تتمثل في تسجيل تجاربهم. هذا جزء من تاريخ الوطن. غياب مثل هذه التجارب خسارة كبيرة.