مؤتمر ليما .. والنفط

على مدى أسبوعين من شهر ديسمبر الماضي، عقد في مدينة ليما في بيرو مؤتمر "الأمم المتحدة للدول الأطراف في الاتفاق الإطاري للتغير المناخي"، بمشاركة وفود 196 دولة. وبعد مناقشات حادة دارت في الأيام الأخيرة منه، توصل المفاوضون إلى حل وسط يبقي العالم على المسار الذي يقوده إلى إبرام اتفاقية عالمية جديدة بشأن المناخ في باريس أواخر العام المقبل. ومع أن الجميع تقريبا كانوا غير راضين عن بند أو آخر، فإن صفقة ليما وإن بدت ضعيفة في عديد من جوانبها، إلا أنها تمثل خطوة جوهرية نحو تشكيل نظام مناخي عالمي شامل. فمجرد الاتفاق على الاستمرار في التفاوض صار في حد ذاته أمرا إيجابيا يدعو إلى التفاؤل مع عدم التقليل من صعوبة المفاوضات كلما اقترب عام 2020 الذي سيبدأ فيه تنفيذ الاتفاق.
وسعى مؤتمر ليما إلى تحقيق هدفين: الأول تحديد الخطوط العريضة لنص اتفاقية باريس بنهاية عام 2015. وقد تحقق هذا الهدف، ولكن فقط من خلال إعداد مسودة وثيقة تتألف من 37 صفحة، تتضمن كل المقترحات المقدمة من دول العالم لتضمينها الاتفاقية النهائية، وبذلك تم تأجيل البت في النقاط الخلافية للتفاوض بشأنها في جلسات المحادثات الخمس المقرر إجراؤها ابتداء من شهر فبراير 2015. ونظرا للتباعد بين المواقف التي تضمنها نص اتفاق ليما، فإن فرص التوصل إلى اتفاق في باريس في ديسمبر المقبل تبدو ضئيلة. وتمثل الهدف الثاني لمؤتمر ليما في الاتفاق على الشروط التي ستعمل الدول بموجبها على صياغة التزاماتها الوطنية في عام 2015. وهنا يبرز التباين الحاد فيما يخص التنازلات المطلوبة. فبينما تطالب البلدان النامية بأن تضم المساهمات المحددة وطنيا خططا للتكيف مع التغير المناخي، فضلا عن خفض الانبعاثات، مقابل أن تقدم الدول الصناعية الدعم المالي للبلدان الفقيرة. في المقابل لم يقدم أي تعهد بتخصيص أموال جديدة، وسيكون إدراج خطط التكيف اختياريا وليس إلزاميا. وكان الخلاف الرئيس الذي كاد يؤدي إلى انهيار المفاوضات بخصوص آليات التأكد من قيام الدول بتنفيذ التزاماتها. فمسودة الاتفاق الأولى نصت على أن تتقدم كل دولة بخطة تفصيلية بشأن إسهامها الخاص في خفض الانبعاثات، التي ستخضع لتحليل من جانب الأمم المتحدة، ومن ثم تضمن في تقرير ينشر في نوفمبر 2015. لكن دول الجنوب رفضت أن يتم وضع آلية للرقابة على خفض الانبعاثات وحدها دون أن يصاحب ذلك الالتزام بآلية مماثلة لمراقبة التزام دول الشمال بتقديم التمويل والتكنولوجيا اللازمة لتكييف دول الجنوب مساراتها التنموية مع التزاماتها إزاء قضية المناخ.
ما يهمنا في هذه المقالة بيان ظاهرة التغير المناخي واستعراض تأثيراتها المتوقعة بالنسبة للمملكة.
خلال القرن العشرين، اتجه متوسط درجة حرارة سطح الأرض نحو الارتفاع بشكل تدريجي ثابت بنحو 0.17 درجة مئوية كل عشر سنوات، وتم تفسير ذلك بزيادة تركيز غازات الاحتباس الحراري (ثاني أكسيد الكربون، والميثان ، وأكسيد النيتروجين، وكلوريد - فلوريد الكربون) في الغلاف الجوي، الأمر الذي نتج عنه ارتفاع حرارة سطح الأرض بما يزيد على درجتين مئويتين أعلى من متوسط ما قبل عصر الصناعة. ووفقا لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) لعام 2014، والمشارك فيها برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، فإن تغير المناخ من المحتمل أن تترتب عليه بالنسبة لدول منطقة الشرق الأوسط الآثار البيئية والاجتماعية – الاقتصادية التالية:
أولا: تزايد احتمالات موجات الجفاف والتصحر نتيجة للارتفاع النسبي في حرارة مناخ دول المنطقة، ما يرجح احتمال مواجهة 80 – 100 مليون من السكان مشكلات في تأمين احتياجاتهم من المياه.
ثانيا: ارتفاع مستوى البحر بنحو نصف متر مؤديا إلى غمر الكثير من الجزر والسواحل بالمياه، بما ينعكس سلبا على قطاعات السياحة والزراعة.
وفيما يخص المملكة يقدم التقرير سيناريو لموجات الحر التي قد تضرب مدينة الرياض وفقا لمستويات ارتفاع درجات الحرارة. فعند ارتفاع حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية سيبلغ معدل أيام موجات الحر 81 يوما بالسنة بحلول عام 2030م، وسيرتفع المعدل إلى 132 يوما إذا ارتفعت الحرارة درجتين مئويتين بحلول 2040، و157 يوما بارتفاع درجة الحرارة ثلاث درجات مئوية بحلول 2050م.
في الجانب الاقتصادي، تشير الدراسات إلى أن المتضرر الأكبر من إبرام اتفاقية التغير المناخي بصيغها المقترحة ستكون الدول المصدرة للنفط. ويعود ذلك إلى أن مسودات الاتفاقيات بدءا من كيوتو في عام 1997 إلى ليما في عام 2014 تتمحور حول تقليص انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، التي يشكل غاز ثاني أكسيد الكربون نحو نصف حجمها، وبالتالي فإن الأمر يعني بالضرورة خفض الطلب على الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم الحجري) بنسبة تصل إلى 15-25 في المائة، وهذا بدوره سيؤدي إلى تراجع في أسعار النفط، وتراجع عوائد الدول المنتجة للنفط بنسبة تتراوح بين 13 - 25 في المائة وفقا لتقديرات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. وسيترتب على ذلك خسارة شركات النفط الوطنية نحو 265 مليار دولار.
وعلى قدر مساوٍ للأهمية البيئية لظاهرة التغير المناخي، يمكن للآثار الاقتصادية على الدول النامية والدول المصدرة للنفط أن تكون عميقة كذلك، ويتمحور السؤال الأبرز بالنسبة للمناخ فيما إذا كانت الدول النامية سترضى بترك نصف نفط وغاز العالم في جوف الأرض تماشيا مع رغبة الدول الصناعية في تجنب الاحتباس الحراري المدمر الذي تتحمل هي الجزء الأكبر من المسؤولية عنه.
جدير بالإشارة إلى أن المملكة اتخذت خطوات عملية لتقليل البصمة الكربونية من خلال برامج ومشاريع قائمة لإدارة الكربون (تجميع وتخزين الكربون) وبرنامج كفاءة الطاقة "كفاءة". وكان للمملكة حضور فاعل في جلسات الحوار في مؤتمرات التغير المناخي ممثلة في وزير البترول والثروة المعدنية، تم فيها إبراز وجهة نظر المملكة بأن أي اتفاقية للتغير المناخي يجب أن تكون مبنية على ثلاثة أسس هي: اعتماد التقنية لتقليل الانبعاثات الكربونية، وألا يتم التمييز التعسفي بين أنواع الوقود، وتقليل التأثير في الاقتصاد العالمي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي