«النقود القذرة» والتنمية
لقد أحرز العالم تقدما كبيرا في العقود الأخيرة في الصراع ضد الفقر ولكن بينما سنة 2014 تشارف على نهايتها هناك مليار شخص - واحد من كل سبعة أشخاص- لا يزال يعيش على أقل من 1.25 دولار أمريكي واحد باليوم.
إن القضاء على الفقر يحتاج إلى جهد دولي وإيجاد الموارد لعمل ذلك ومن الوهلة الأولى، فإن ثمن ذلك باهظ للغاية فنحن نعرف أن المساعدات التنموية لن تكون كافية لإنهاء الفقر. يتطلب الأمر استثمارات من القطاع الخاص وجمع الضرائب في الدول النامية وغيرها من مصادر التمويل من أجل تحقيق ذلك.
الحقيقة هي أن هناك أموالا كافية في العالم لتحقيق ذلك. إن أحد المصادر غير المتوقعة للثروة التي يمكن أن تلعب دورا كبيرا هو العرض الهائل للأموال القذرة الأرباح غير المعلنة للشركات متعددة الجنسيات وعائدات الفساد وأرباح مهربي المخدرات والأسلحة والبشر، وكل تلك الأموال مخبأة في حسابات مصرفية في الخارج "أوفشور" وفي شركات وصناديق ائتمان.
إن من الصعوبة بمكان الحصول على أرقام تتمتع بالمصداقية فيما يتعلق بكمية الأموال القذرة حول العالم، ولكن طبقا لتقديرات مجموعة النزاهة المالية العالمية، التي لا تستهدف الربح، فإن تريليون دولار أمريكي تختفي من اقتصادات العالم النامي كل عام، وهي أموال تحتاج إليها تلك البلدان بشدة من أجل التنمية.
إن هذا المبلغ هو المبلغ الذي نحتاج إليه تقريبا من أجل سد الفجوة الضخمة في البنية التحتية، التي تمنع العالم من التعامل مع التحديات التنموية الحيوية - من التمدن السريع للتغير المناخي وخلق الوظائف. إن الدول النامية والناشئة اليوم تستثمر نحو تريليون دولار أمريكي كل سنة في البنية التحتية، وهي بحاجة إلى تريليون دولار أمريكي إضافي كل سنة من أجل سد الفجوة وهي خطوة ضرورية من أجل إنهاء الفقر المدقع بحلول سنة 2030 .
لكن نقص تنفيذ وتطبيق الإجراءات المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال والشفافية الضريبية وقواعد مكافحة الفساد تحمي الجناة من الملاحقة القضائية. إن هذا في نهاية المطاف يمنع الدول النامية من إيقاف تدفق الأموال إلى الخارج، ما يحرمها من موارد ضرورية.
بالنسبة للتلميذ في بورت برنس والأم الجديدة في مقديشو والمزارع في اكوتيبيك، فإن لهذه الخسائر أثرا فعليا، الصفوف المدرسية المزدحمة والعيادات الصحية غير المتوفرة والموارد المائية غير الكافية. إن هذا يعني أن الفرص التي يجب أن تذهب للناس تتم سرقتها منهم.
لحسن الحظ، فإن المجتمع الدولي قد استيقظ . إن مبادرة أطلقها وزراء المالية الأفارقة وبرئاسة رئيس جنوب إفريقيا السابق ثابو مبيكي تحقق في هذا الموضوع بالنسبة للقارة، حيث خسرت القارة 14 تريليون دولار أمريكي من تدفقات الأموال للخارج في العقود الثلاثة الماضية.
لقد بدأت مجموعة العشرين أخيرا في الدعوة لعمل جماعي من أجل التحقق من أن الأعمال السيئة لا تعود بالنفع وفي اجتماع عقد أخيرا في برلين قامت الحكومات بالتوقيع على صفقة لتضييق الخناق على التهرب الضريبي عبر الحدود.
إن هذه أخبار طيبة وخاصة للفقراء ولكن لا تزال هناك عديد من العقبات، والآن يجب على العالم أن يركز على ثلاث قضايا حيوية.
أولا، يجب على الدول النامية أن تبني مؤسسات فعالة، بينما تقوم بتطبيق الحكم الرشيد والشفافية والمساءلة فيجب عليها محاربة الفساد والجريمة المنظمة وتطبيق أنظمة ضريبية فعالة وهذا يعتبر أمرا أكثر إلحاحا في الدول الغنية بالموارد. إن الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط وأوكرانيا تظهر كيف إن الاستيلاء على خزائن الدولة من قبل أصحاب المصالح الشخصية يثير الصراع ويقوض ثقة الناس في الحكومة.
لكن الفساد وغسيل الأموال والتهرب الضريبي هي مشاكل عالمية وليست فقط تحديات للدول النامية، وبالرغم من أن المؤسسات الوطنية الضعيفة والقدرة المحدودة على تطبيق القانون يمكن أن تسهل البدء في تحويلات مالية غير شرعية، نحن بحاجة للإقرار بأن الأموال القذرة عادة ما ينتهي بها المطاف إلى مراكز مالية، التي أصبحت جهات لتمكين هؤلاء من عمل ما يريدونه تقريبا ولهذا فإن التعامل مع هذه القضية يتطلب تعاونا دوليا.
ثانيا، إن الأنظمة التي تحدد الملاك الحقيقيين للأموال غير الشرعية يجب أن يصار إلى تطبيقها فبعد أن يتم استثمار تلك الأصول في شركات لا تتمتع بالشفافية تصبح خارج متناول السلطات الضريبية والمحققين ومرارا وتكرارا فإن المستفيدين الحقيقيين أو ملاك الشركات وصناديق الائتمان المستفيدين يتمتعون بالحماية من الإفصاح بسبب قوانين وأنظمة تحمي المجرمين من غير قصد وهذا يجب أن يتوقف.
أخيرا، فإن نظاما للتبادل التلقائي للمعلومات الضريبية بين البلدان سيحد من الأماكن التي يستخدمها أولئك المتهربون من الضريبة والذين يقومون بغسيل الأموال في إخفاء عوائدهم بكل سهولة. لقد التزم 90 بلدا تقريبا بالبدء في سنة 2017 بالتبادل عبر الحدود لمعلومات تتضمن معلومات عن أصحاب الحسابات وتفاصيل معينة تتعلق بودائعهم وأرصدتهم وهي معلومات يمكن أن تساعد السلطات على تحديد عائدات الفساد والتعاملات المالية من خلال النشاطات والارتفاعات المشبوهة.
نحتاج إلى مزيد من العمل في 2015 والفترة التي تليها ولقد بدأنا العمل فعليا في البنك الدولي مع عملائنا في الدول النامية من أجل تحسين أنظمة الحكم لديهم وكيفية تحصيل الضرائب ومكافحة الفساد واستعادة الأصول المسروقة. إن عملنا سيستفيد بشكل كبير من التحرك الحالي لمزيد من التعاون الدولي في مكافحة التدفقات المالية غير الشرعية.
إن تغيير قوانين السرية المصرفية، التي تحظى بالإعجاب يستحق كل هذا الجهد فالفساد والتهرب الضريبي والاستيلاء على إيرادات الموارد الطبيعية يقوض حكم القانون ويضعف النسيج الاجتماعي ويؤثر سلبا في ثقة الناس في المؤسسات ويغذي الصراع وانعدام الاستقرار ويعيق إيجاد الوظائف. إن هذه القوانين هي ليست فقط غير قانونية ولكنها غير أخلاقية كذلك كونها تبقي الفقراء على حالهم.