القاتل إرهابي .. والمقتول مسلم
يدور سجال ساخن عبر شبكات التواصل الاجتماعي حول ما حدث أخيرا في فرنسا، في يوم الاجتماع الأسبوعي لمجلة "شارلي إيبدو"، الذي نتج عنه 12 قتيلا، في وضح النهار، من بينهم رئيس التحرير، وعدد من أبرز رسامي الكاريكاتير فيها، جراء ما حدث من تطاول فج على سيد الخلق، عليه أفضل الصلاة والتسليم. هرب بعدها منفذو العملية، بعبارة "انتصرنا لرسول الله"!
بالطبع، لا يمكن لكائن من كان، أن يبرر تلك الحماقات والإساءات التي اقترفها محررو ورسامو "شارلي إيبدو"، التي حاولوا فيها الإساءة إلى رسولنا الكريم، تحت دعوى "حرية الرأي". ولكن، هل فكر منفذو تلك العملية، في احتمالية أن تخطئ رصاصتهم هدفها، لتطال المسلمين في فرنسا، البالغ عددهم ستة ملايين مسلم؟ وهل هكذا يكون الانتصار لخير البرية -صلى الله عليه وسلم-؟ وهل يدرك المدافعون أنهم يمنحون الإرهابيين الغطاء والشرعية والبيئة الحاضنة للتكاثر والنمو؟ ومن يا ترى المستفيد الحقيقي؟
اعترفت فرنسا أخيرا بدولة فلسطين. بيد أنه سرعان ما جاءت الأحداث الأخيرة، التي شكلت زلزالا في فرنسا، لتمهد لسلسلة من الاعتداءات على المسلمين في كل مكان. وكأنني أرى أمامي مشاهد معادة لمسلسل تفجيرات "الحادي عشر من سبتمبر"، التي كانت بوابة لاحتلال "أفغانستان والعراق" آنذاك. ومن يدري، فقد تكون السيناريوهات المقبلة "أشد فظاعة"!
تلك "الرصاصة العمياء"، أدت إلى تسجيل أكثر من 50 اعتداء بالرصاص، استهدف المسلمين في 14 مسجدا ومطعما في فرنسا. كما أنها لم تثنِ "شارلي إيبدو"، التي قررت أن ترد بإصدار 3 ملايين نسخة بـ 16 لغة حول العالم، بدلا من 60 ألف نسخة كالمعتاد.
وما كان هذا ليكون لو أننا اتبعنا الطريقة التي أرشدنا إليها -جل وعلا-، إذ قال (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا، فأعرض عنهم، حتى يخوضوا في حديث غيره. وإما ينسينك الشيطان، فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين). كما قال الفاروق -رضي الله عنه- (أميتوا الباطل بالسكون عنه، ولا تثرثروا فيه فينتبه الشامتون). ما يؤكد أن التطرف لا يعزى للدين الإسلامي على الإطلاق، بل يعزى لإرهابيين تجرهم أفكارهم المتطرفة، وغضبهم المتراكم، وفهمهم القاصر، ويدهم الطويلة. ومهما تعددت الأسماء المستعارة لهم، يبقَ الاسم الحقيقي هو الجهل المسلح بالرصاص.
إننا –كمسلمين– نعلم أن الرسول الكريم هو خير البشر، ولن يستطيع أحد أن ينتقص من قدره وعظمته. إلا أن الانتصار لسيد الخلق، لا ينبغي أن يكون مغلفا بالعواطف، فقد قيل عن العواطف إنها "قواصف" و"عواصف"، وفي بعض الأحيان "نواسف". وبدلا من ردود الفعل الانفعالية والمرتجلة، لا بد من التركيز على نصرة النبي –صلى الله عليه وسلم– بالحكمة، وباتباع منهجية علمية لبيان أخلاقه وشمائله، وتصحيح المفاهيم المغلوطة في الغرب حول الإسلام، التي يجدر بها إدارة واحتواء الأزمات الحقيقية التي يواجهها المسلمون في كل مكان، للعمل على حمايتهم من أي ضغوطات أو ردات فعل عنصرية. مع ضرورة استخدام الطرق الدبلوماسية للمطالبة باستصدار تشريعات، تحترم المعتقدات، وتجرم المساس بالرموز الدينية، وتؤكد على سقف حرية الرأي الملتزمة والمسؤولة، وهذا هو التحدي الحقيقي.