عبدالله بن عبدالعزيز .. نقاء تزينه العفوية
اللهم ارحمه فإنه لم يكن جبارا، وأكرمه فإنه كان متواضعا.. هكذا تلهج ألسنة مواطني عبدالله بن عبدالعزيز المفجوعين بموته فجر الجمعة ليهدوه في عصرها وفي ساعة الاستجابة المرجوة، كما يقول مدرس سعودي أفضل الأدعية لقاء ما أهدى لشعبه طوال الأعوام الماضية من قراراتٍ تضع في أولويتها رفاهة المواطن حتى لو كسرت معادلات الاقتصاد العالمي.
شاب سعودي يتذكر عبدالله بن عبدالعزيز الذي أرخص الوقود لمواطنيه رغم نداءات كبريات المؤسسات الاقتصادية العالمية لرفع الدعم عن أسعار المحروقات، لكن الرجل المغرم بإسعاد شعبه لا يلتفت إلا إلى قرارات أخرى جديدة يفرح بها مواطنيه.
عبدالله بن عبدالعزيز كان قصة أخرى لزعيم استثنائي، منح الكاريزما والقبول بأسلوبه العفوي الصادق والمرتجل، فكان أن صدقه السعوديون ومن خلفهم العرب، وامتد تأثير عفويته وصدق همته إلى العالم أجمع، ليشهد له القاصي والداني بالصدق في القول والعمل.
بدأ الملك عبدالله بن عبدالعزيز عهده الزاهر الذي امتد تسعة أعوام بزيارة المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة في صيف عام 2005 ليعيد السعوديون اكتشافه من جديد وهم الذين عرفوه منذ أن كان ولي عهد لأخيه الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله، لكن أعباء الملك والمسؤولية الجديدة كانت واضحة التأثير في ملكٍ أنهكه المُلك، لكن عبدالله بن عبدالعزيز ظل رغم مسحة الحزن البادية على محياه بعد توليه الحكم، متواضعا، يحب البسيط من القول، ويكره المبالغة في الاحتفاء.
يذكر أبناء المدينة المنورة حينها أن مسؤولا محليا في المنطقة خاطبه في تلك الزيارة بـ"مولاي" حين كان يشرح مشروعا جديدا، وقتها أشار الملك عبدالله وهو مطرق رأسه وبحركة هادئة من يده بالتوقف عن استخدام هذا الوصف قائلا بصوت خفيض: مولاي ومولاك هو الله، أو إنه قال: المولى هو الله. يتذكر ابن من أبناء المدينة المنورة هذه القصة ليلهج بالدعاء أن يشمل المولى عز وجل بعفوه وكرمه عبدالله بن عبدالعزيز فيمن شملهم برحمته وألطافه، وأن يبدلهم دارا خيرا من دورهم، فيا له من رجل – يضيف ابن المدينة – كان محبا للبساطة، مولعا بالتلطف مع خلق الله، كارها للكبر، رافضا للغرور.
تعود بنا الذاكرة في شوارع المدينة النبوية في التقائها مع هذا الزعيم في العقود الماضية إلى يوم مميز وليلة وضّاءة من ليالي شتاء عام 1999 حين كان الملك الراحل وليا للعهد ويفتتح برفقة الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز رحمه الله بعض المشاريع، غير أنه اختار أن يتناول العشاء في السوق المجاور للمسجد النبوي، وكان العشاء المختار شعبيا بامتياز، حيث صحن الفول والخبز الساخن الذي استمتع به رفقاؤه واعتبروه خروجا عن النسق التقليدي.
يحب العاهل الراحل الخروج عن النسق التقليدي للبروتوكولات في غير تكلف ولا إحراج، حيث يأتي المشهد عفويا بسيطا خاليا من التكلف، لذا يجد التصديق من الكثيرين ويجد القبول من الجميع. لا ينسى السعوديون بشكل عام تلك التعبيرات الجميلة والبسيطة في آن للملك الراحل غفر الله له، حين تحدث عن أوجاع يشعر بها في ظهره، طالبا من ضيوفه السماح لعدم قدرته على القيام للسلام عليهم، حينها تحدث الملك عبدالله عن مرض عرق النساء، ليشهد أن النساء لم يأت منهن إلا كل خير وليس الأوجاع، وهنا للنساء معه وقفة شكر خاصة لملكٍ لم يقدم لهن إلا ما يراه خيرا وعزا وتمكينا لهن ولمجتمعاتهن. فرحم الله عبدالله بن عبدالعزيز الذي كان نقيا بشهادة من حوله، محبا للجميع، غير أن العزاء في خلفه الملك سلمان ملأ القلوب رضاً وحبورا.