الملك عبد الله .. وقف على الأحياء الفقيرة فعلّم المسؤولين أن دورهم خارج المكاتب
لن ينسى أبناء الشعب السعودي مواقف الملك الراحل عبدالله بن العزيز المتمثلة في قربه من كل طبقات شعبه وحرصه على الاطلاع على أحوال الفقراء والمحتاجين بنفسه والالتقاء بهم، وتفقد أحوالهم، ودعواته المتكررة عبر عدة مناسبات وخطابات بتحمل المسؤولين داخل السعودية والسفراء خارج المملكة الأمانة الملقاة عليهم، وفتح الأبواب أمام أبناء الشعب كافة والالتقاء بهم والاستماع لمطالبهم والعمل على حل مشاكلهم ورفعها للملك، وأن لهم دورا خارج مكاتبهم لا يقل بأي حال عن دورهم داخلها.
ومن أبرز تلك المواقف التي ما زالت عالقة في أذهان السعوديين، زيارة الملك الراحل التفقدية في عام 1423هـ لبعض الأحياء القديمة في مدينة الرياض، والالتقاء بإخوانه وأبنائه المواطنين والاطمئنان عليهم وتفقد أحوالهم والاطلاع على حاجاتهم عن قرب، وبالعودة لتصريحه- رحمه الله- إلى وكالة الأنباء السعودية خلال تلك الزيارة، أكد أن السمع ليس كالنظر، وأنهم مؤتمنون أمام الله تجاه كل فرد من أبناء الوطن، وقال إنني اليوم بين أهلي وقومي جئت لأتفقد أمورهم وأنظر أحوالهم، فليس السمع كالنظر، فنحن مؤتمنون أمام الله- جل جلاله- تجاه كل فرد من أبناء الوطن العزيز.
وأكد- رحمه الله- أن الزيارة لا تحمل الرياء وتعوذ بالله منه، مضيفاً أنها المسؤولية التي تحتم على كل مسؤول أن يدرك أن دوره يتخطى المكاتب ويتجاوز حدود المراجعين، فمن الناس من يمنعهم حياؤهم السؤال وإن اشتدت بهم الحاجة، فالله- جل جلاله- يقول: "للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم".
#2#
وبين الملك الراحل أن الهدف من الزيارة يحمل واجبا تمليه علينا عقيدتنا الإسلامية التي تتجاوز أي اعتبارات سياسية أو إعلامية، مضيفاً أنها لوازع إنساني نابع من الشرع المطهر لتسليط الضوء على مشكلة الحاجة التي تجعل من بعض المواطنين دون ذنب منهم يعانون ظروفا حياتية قاسية، وقال هؤلاء لهم حق علينا نسعى لهم في محاولة المؤتمن المجتهد وأن نعي الأسباب ونوجد الحلول لأوضاعهم، مضيفاً أن مشكلة الفقر لا تعالج بقرارات ارتجالية ولا تحلها الأمنيات والأحلام، ولكنها تتطلب معالجة موضوعية في ضوء استراتيجية وطنية شاملة عمادها التكافل الاجتماعي، تسهم فيها الدولة يدا بيد مع المقتدرين من شرفاء الوطن.
وأكد الملك الراحل أن هذه الاستراتيجية تتطلب الاعتراف بالمشكلة ومن ثم طرح تلك الاستراتيجية وتنفيذها على أرض الواقع بشكل عاجل، مبينا أن التحدي صعب ولكن الإرادة المتوكلة على الله قادرة على مواجهته. وتؤكد تلك الزيارة للملك الراحل أن قضية علاج الفقر تشكل هاجساً كبيراً حمله إبان عهده، وامتلاكه شعوراً متدفقاً للوقوف على احتياجات الناس البسطاء والمعوزين، وعدم النظر لتلك القضية كمجال للدعاية وقد أقسم خلالها بالخالق أنه حريص على أن ينال الفقير حقه حتى في الكشف عن عوزه وحاجته أمام الآخرين ممن أغناهم الله بالجاه والمال الوفير.
ولم يكتف الملك عبدالله بتلك الزيارة بل ترجمت الزيارة بتوجيهه- رحمه الله- وأمره بتنفيذ "استراتيجية شاملة لعلاج الفقر" من خلال تحديد مفهومه وخطه في المملكة وتكوين معلومات حوله والعمل على علاج الفقر، وفقاً لأسس وضوابط هذه الاستراتيجية الوطنية لمعالجة الفقر، كما وجه بتخصيص مبلغ ملياري ريال من فائض الميزانية لمشاريع الإسكان الشعبي في مختلف مناطق المملكة، وإنشاء الصندوق الخيري لمعالجة الفقر، وتبع تلك القرارات أمر ملكي بتخصيص 100 مليون لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمعالجة الفقر، كما رصدت الدولة مبلغ 250 مليون ريال كبداية للصندوق الخيري، ثم توالت تبرعات المواطنين على هذا الصندوق.