حزن السيدات يتضاعف على المليك الراحل لأفعاله قبل أقواله

حزن السيدات يتضاعف على المليك الراحل لأفعاله قبل أقواله

إذا كان الشعب السعودي والعربي بأكمله حزينا على رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز -يرحمه الله-، فإن حزن السعوديات سيكون أضعافا، فالملك الذي خاطب السيدات في خطبته الشهيرة، "المرأة هي أختي وأمي وزوجتي وبنتي، ولها حقوق شرعها الإسلام"، وقال "إن المرأة السعودية هي مواطن بالدرجة الأولى له حقوقه وعليه واجباته ومسؤولياته، وذلك وفق الضوابط الشرعية التي حددها الحق سبحانه وتعالى"، لم يكن يكتفي بالأقوال بل امتاز عصره بالأفعال.
فخلال عهده نالت السيدات الحقوق كافة التي كنَّ يطالبن بها ما عدا حق قيادة السيارات، فبعد ثلاثة أشهر من توليه الحكم في أغسطس 2005، شاركت السيدات في نفس العام بدخول انتخابات الغرفة التجارية في جدة ليلحقها بعد عامين دخولهن انتخابات الغرف التجارية في الرياض والشرقية، حيث تنافس في جدة لأول مرة 16 سيدة من جدة وست سيدات من الشرقية و100 سيدة في أول انتخابات للغرف التجارية تشارك فيها سيدات.
وفي نفس العام الذي تولى فيه الحكم أطلق برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث وابتعثت في نفس العام 3235 طالبة من بين 15697 طالبا ليستمر البرنامج في مراحله العشر وتحصل الفتاة السعودية في عهده على فرصة للحصول على مستوى أفضل في التعليم دون فارق بينها وبين الرجل، وبالتالي فرص وظيفية أفضل عند عودتها من الابتعاث.
وبعد ثلاث سنوات من توليه الحكم رفض -يرحمه الله- توصية مجلس إدارة جامعة الرياض بتسمية الجامعة الجديدة باسمه، مقررا أن يسميها جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن في 2008م، التي تعتبر أول جامعة في السعودية خاصة بالبنات، وأكبر جامعة نسائية في العالم، حيث أنشأت على مساحة تقدر بثمانية ملايين متر مربع وتكلفة تزيد على 22 مليار ريال.
وقد سماها بهذا الاسم اعترافا بدور أخت الملك المؤسس بدعم وتقوية إرادته وتشجيعه على الخروج من الكويت لاستعادة الرياض، وكانت عامل ترابط بين آل سعود عندما وافقت على الزواج من سعود بن عبد العزيز بن فيصل بن تركي الملقب بسعود الكبير، فوفقا للمعلومات التاريخية فإن الأخير كان على خلاف مع أخيها الملك عبد العزيز، وفي هذا الصدد كان زواجها هذا أسمى رمز للمصالحة بين عبد العزيز وأبناء عمومته، ومعه أصبح سعود الكبير من أشد المقربين والمخلصين للملك، كما أجمعت على ذلك المصادر والمعلومات التاريخية، كما جنبت الأميرة نورة أخاها مشكلات وشؤون القصر الداخلية طوال وجودها، حيث كانت تشرف على تسيير أمور نساء العائلة، إضافة إلى أنها كانت تشفع عند الملك عبد العزيز لكثير من المحتاجين ومن لهم مشكلات تحتاج إلى حل.
وبعدها بعامين -أي في عام 2010- منح أول سيدة سعودية وسام الملك عبد العزيز وكان من نصيب الدكتورة خولة كريع كبيرة علماء أبحاث السرطان في مستشفى الملك فيصل التخصصي، ولا تنسَ السعوديات تاريخ 25 سبتمبر 2011، حيث أصدر فيه الملك عبد الله بن عبد العزيز-يرحمه الله- قراره التاريخي القاضي بالسماح للمرأة بدخول مجلس الشورى كعضو أصيل ابتداء من الدورة المقبلة، إضافة إلى أحقيتها في الترشح والترشيح في المجالس البلدية، وبالفعل بعدها بعامين في بداية 2013م أعاد -يرحمه الله- تشكيل مجلس الشورى وقام بتعيين 30 سيدة في المجلس لأول مرة في تاريخ السعودية، حيث نص الأمر الملكي على تخصيص نسبة 20 في المائة من الأعضاء من السيدات، وقام بتحديد طريقة مشاركة النساء في المجلس الذي يتمتع بصفة استشارية خصوصا، موضحا أن قسما من القاعة سيخصص لهن، وسيخصص لهن مدخل منفصل عن مدخل الأعضاء الآخرين.
ستتذكر السعوديات دوما أنهن شاهدن تشكيل أول لجنة نسائية في مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية في عهده، وعاصرن تفعيل قرار مجلس الوزراء رقم 120 الذي صدر قبيل توليه الحكم بشهرين، حيث نص القرار على أهمية تشكيل لجنة نسائية من ذوات الخبرة والكفاءة، تتولى التنسيق مع الجهات ذات العلاقة لتشجيع منشآت القطاع الأهلي على إيجاد أنشطة ومجالات عمل للمرأة السعودية دون أن يؤدي ذلك إلى فتح ثغرة لاستقدام عمالة نسائية وافدة، وتهيئة فرص إعداد السعوديات وتأهيلهن وتدريبهن للعمل في تلك الأنشطة والمجالات، وتوفير الدعم المادي والمعنوي اللازم لقيامها، على أن تسهم الجهات الحكومية - كل جهة بحسب اختصاصها -في تحقيق ذلك.
وبهذا القرار ارتفعت مشاركة السيدات بنسبة 121 في المائة بعد خمس سنوات من توليه الحكم، حيث كان 50446 عاملة في 2003م وأصبح قرابة 102783 عاملة في 2010م، فاستطاعت السيدات اقتحام جميع فرص العمل في عهده بدءا بإنشاء الأقسام النسائية في كافة الجهات الوزارية والهيئات إلى العمل في قطاعي المصانع والفنادق، وتجربة تأنيث محال بيع المستلزمات النسائية، وبعد أربع سنوات تقريبا من توليه الحكم سمعت السعوديات بمنصب أول وزيرة للسعوديات بتولي الدكتورة نورة الفايز منصب نائب وزير التعليم وبعدها بعامين الدكتورة هيا العواد كوكيلة للتعليم، وبعدها أصدر مجلس الوزراء عدة تعيينات على المرتبة الرابعة عشرة لعدد من القيادات النسائية، وأنثت إدارات وقطاعات الوزارة المختصة بتعليم البنات، وصارت في السعودية لأول مرة أقسام تعليمية نسائية بالكامل إلى جانب الإسراع بجعل رياض الأطفال جزءا لا يتجزأ من مسار التعليم وقصر التوظيف فيها على العناصر النسائية.
ولن تنسى السعوديات أنه في 2013م تجاوزت قيمة الاعتمادات المالية المخصصة للبنات ما خصصته وزارة التربية للبنين، حيث كانت 255.106.00 مليون ريال للبنات بينما ميزانية البنين 172.432.91 مليون ريال للبنين، وتم ربط الإعانات السنوية للمدارس الأهلية بتوظيف السعوديات ورفع أجورهن وتحسين ظروف العمل لهن، حيث تم تحديد حد أدنى للأجور عامة بما لا يقل عن ثلاثة آلاف ريال.

ولم يكتف الملك عبد الله -يرحمه الله- بتوفير فرص العمل للسيدات وإعطائهن مناصب وزارية وتسهيل مشاركتهن في الحياة السياسية والدبلوماسية، حيث شاهدت الفتيات في عهده أول سيدة تشغل منصبا دبلوماسيا في سفارة السعودية في واشنطن عندما تم تعيين الدكتورة موضي الخلف مساعدة الملحق الثقافي في سفارة المملكة في واشنطن، بل تقديرا لدور السيدات العائلات لأسرهن أصدر قرارا يمنح المرأة التي تعول أسرتها الحق في الحصول على قرض سكني من صندوق التنمية العقارية، بعد أن كان قصرا على الرجل.
بقرارات الملك الراحل -يرحمه الله- الخاصة بالسعوديات يؤكد أنهن حصلن على كافة مطالبهن وتطلعاتهن خلال عشر سنوات فقط من توليه الحكم، وإذا كان -غفر الله له- اشتهر بجملة "لا تنسوني من دعائكم" التي استجاب لها الشعب بأكمله، فإن دعاء السيدات له سيكون مضاعفا كلما يتذكرن ما حصلن عليه في عهده وكلما يرين سعودية وصلت إلى منصب قيادي أو علمي مرموق، بسبب وقوفه بجانبهن بقراراته وأوامره التي كانت لا تنسى أبدا ما دمن يتطلعن إليه ويسعين لتحقيقه.

الأكثر قراءة