خطابات الملك عبدالله .. لين ممزوج بالحزم وبُعد النظر
شكلت خطابات الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـــ يرحمه الله ـــ مفترق طرق لرؤساء الدول وشعوبهم والمسؤولين كافة، حيث اشتملت تلك الخطابات التاريخية على اللين الممزوج بحزم حكيم وبعد نظر، فقد كان ـــ يرحمه الله ـــ لا يفتأ أن يناشد في خطاباته إلى تحكيم العقل ونبذ العنف، وتأكيده الدائم على وقوف المملكة العربية السعودية تجاه مسؤولياتها التاريخية نحو أشقائها ومع كل ما تتضمنه تلك الخطابات من كلمات اللين النابعة من مبادئ الدين المتمثلة في الرفق والثقة أيضا إلا أن بصمات الحزم وكلماته تظل موجودة ضد من تسول له نفسه المساس بأمن المملكة واستقرارها إضافة إلى بُعد النظر من خلال طرح المقترحات والحلول وفيما ستؤول إليه الأمور عند عدم تحكيم لغة العقل.
ومن ضمن تلك الخطابات، يأتي خطابه التاريخي ـــ يرحمه الله ـــ إلى شعب وحكومة سورية، أواخر عام 2011، ليكون من الشواهد على السياسة العظيمة، والحكمة البالغة التي كان يتحلى بها الملك الراحل، حيث وجّه خطابه للأشقاء هناك، حكومة، وشعبا، وطالب القيادة السورية، بتفعيل الحكمة، منوها إلى أن تصدي الحكومة السورية لدورها التاريخي في مفترق طرق - الله أعلم - أين تؤدي إليه، وجاء ضمن الخطاب "إن تداعيات الأحداث التي تمر بها الشقيقة سورية، التي نتج عنها تساقط أعداد كبيرة من الشهداء الذين أريقت دماؤهم، وأعداد أخرى من الجرحى والمصابين، ويعلم الجميع أن كل عاقل عربي ومسلم أو غيرهما يدرك أن ذلك ليس من الدين، ولا من القيم والأخلاق، فإراقة دماء الأبرياء لأي أسباب ومبررات كانت لن تجد لها مدخلاً مطمئناً، يستطيع فيه العرب والمسلمون، والعالم أجمع، أن يروا من خلالها بارقة أمل، إلا بتفعيل الحكمة لدى القيادة السورية وتصديها لدورها التاريخي"، واختتم الخطاب بإعلان المملكة استدعاء سفيرها للتشاور حول الأحداث الجارية هناك.
وجاء خطابه ـــ يرحمه الله ـــ أوائل شهر شوال، من العام الماضي، موجها تجاه الأحداث الدموية الجارية في المنطقة، بما فيها العدوان الإسرائيلي على غزة، متضمنا الموقف السعودي حيال ذلك، حيث أعلن الملك الراحل، إدانته وإدانة المملكة للإرهاب في المنطقة، وبأشكاله كافة، وقال: "أصبح للإرهاب أشكال مختلفة، سواء كان من جماعات أو منظمات أو دول، وهي الأخطر بإمكاناتها ونياتها ومكائدها"، داعيا قادة وعلماء الأمة الإسلامية لأداء واجبهم تجاه الحق جل جلاله، وأن يقفوا في وجه من يحاولون اختطاف الإسلام وتقديمه للعالم على أنه دين التطرف، والإرهاب، وألا يخشوا في الحق لومة لائم، وكانت كلمته ـــ يرحمه الله ـــ صوت حق، ومنبرا عاليا، عاقلا، لكل صوت ندد بالقتل، والتطرف، والتكفير، تحت أي مبرر، وهو ما نقله، وأوصى به الملك عبد الله ـــ يرحمه الله ـــ، إلى العلماء في السعودية، منوها إلى عدم وجود أي عذر لأي جهة، أو مسؤول، نحو الصمت عن إنكار جرائم القتل.
وتضمن خطاب تاريخي آخر للملك عبد الله ـــ يرحمه الله ـــ تم إعلانه في السادس عشر من آب (أغسطس) عام 2013م، حيث كان متعلقا بأحداث مصر، ودعوته العرب للتصدي لكل من يمس بأمن مصر، حيث دعا الملك الراحل، المصريين، والعرب، والمسلمين إلى التصدي لكل من يحاول زعزعة أمن مصر، معتبرا أن مَنْ يتدخل في شؤون مصر الداخلية من الخارج "يوقدون الفتنة"، وأهاب ـــ يرحمه الله ـــ، بالعرب للوقوف معا ضد محاولات زعزعة أمن مصر، "وضد كل من يحاول أن يزعزع دولة لها في تاريخ الأمة الإسلامية والعربية مكان الصدارة مع أشقائها من الشرفاء"، واعتبر الملك عبدالله ـــ يرحمه الله ـــ في تصريح حول الأحداث في مصر أن "استقرار مصر يتعرض لكيد الحاقدين والكارهين في محاولة فاشلة لضرب وحدته واستقراره". متفائلاً باستعادة مصر عافيتها، مؤكدا أن السعودية شعبا وحكومة تقف مع مصر ضد الإرهاب والضلال والفتنة، وتجاه كل مَنْ يحاول المساس بشؤون مصر الداخلية، وعزمها وقوتها - إن شاء الله - وحقها الشرعي لردع كل عابث أو مضلل لبسطاء الناس من أشقائنا في مصر.