زيارة المرضى ضمن برنامج الملك سلمان الأسبوعي
في رحلة استمرت نحو 31 عاما قضاها مرافقا لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، مرافقا خاصا في حله وترحاله، رصد فيها كثيرا من القصص والمواقف عن الملك سلمان، وعايش صفاته عمليا وعن قرب .. إنه اللواء متقاعد عبدالله بن عبدالمحسن آل الشيخ الصحابي كبير المرافقين العسكريين لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي يكشف لـ “الاقتصادية”، أن الملك سلمان ينزعج كثيرا إن تسبب مرافقوه في مضايقة أحد من المواطنين، مشيرا إلى أنه دائما ما يوجه حراسه أثناء وجوده في الحرمين المكي أو النبوي، إلى عدم منع أي أحد من السلام عليه ومصافحته.
وفي رحلة استمرت ثلاثة عقود تحدث عن الجوانب التي عايشها مع الملك سلمان، لافتا إلى أن في خادم الحرمين الشريفين مميزات وصفات مشتركة مع الملك المؤسس من بينها:
الفراسة والفطنة والحضور الذهني، كما أنه يعد “مستودع أسرار الأسرة المالكة”، والمستشار في عديد من القضايا المحلية والدولية. ويعرج اللواء متقاعد عبدالله بن عبدالمحسن آل الشيخ الصحابي على مرافقة الملك سلمان لإخوانه الملوك منذ عهد الملك خالد- رحمهم الله- جميعا، واكتسب منهم الشيء الكثير، مؤكدا أن الملك سلمان كان صاحب قرار مؤثر في كثير من الأمور المهمة التي مرت في الدولة.
ولم يفت اللواء الصحابي أن يذكر بعض صفات الملك سلمان مثل قوة ذاكرته، فحين يتحدث عن أمور وأشياء فكأنه يقرأ من كتاب، وتجاه أسماء القبائل وأفخاذها ورجالها، وتجاه أسماء العلماء والمفكرين والمثقفين والإعلاميين والإداريين، ويروي أن خادم الحرمين الشريفين دقيق جدا في مواعيده، ويريد أن يعلم المسافة من قصره إلى المكان المقصود، والوقت المقدر لقطعها ليصل في الوقت المناسب، وأحيانا يلتفت إليه ويقول: “حنا تقدمنا دقيقة أو تأخرنا نصف دقيقة”، وفي الحوار التالي يكشف الكثير من المواقف التي كان شاهد عيان عليها في كمرافق خاص لخادم الحرمين الشريفين ..
فإلى نص الحوار:
في البداية، نود أن تحدثنا عن رحلتك العملية مع الملك سلمان بن عبدالعزيز كيف بدأت؟
عاصرت الملك سلمان منذ 31 عاما من رتبة ملازم إلى أن تقاعدت برتبة لواء بعد إصابتي في حادث مروري، ولا أزال على تواصل مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان أطال الله عمره، وتشرفت خلال ثلاثة عقود من الزمن بالعمل في هذه المدرسة القيادية والإدارية النادرة في أخلاقها وتعاملها، مع من حولها ومع عامة شعبه، فهو الملك الذي خدم وطنه منذ نعومة أظفاره.
هلا حدثتنا عن الجوانب الشخصية التي تظهر في حياة الملك سلمان يوميا؟
صفات الملك سلمان قريبة جدا من صفات الملك المؤسس- رحمه الله- سواء في الشكل أو في الطبع، وكان الملك خالد إذا اجتمع في مختصرات المجالس يقول للملك سلمان: "تعال بقربي أنت والدي"، لشبهه في الشكل والطبع بالمؤسس، فهناك صفات مشتركة تجمع الملك عبدالعزيز بابنه الملك سلمان، أبرزها الفراسة والفطنة والحضور الذهني، وتلك خصال اكتسبها من والده، فإذا تحدث في موضوع ما فلا يكاد ينطق بالعبارة الأولى حتى يُدرك ما يريد، ويستفيض فيه وكأنه قد أعد العدة له من قبل، سواء أكان الموضوع سياسياً أم اجتماعياً أم إعلامياً أم ثقافياً.. فالسرعة الفائقة في الجواب ميزة يتصف بها الملك سلمان.
خلال مرافقتك الملك سلمان إبان حكمه الرياض كان يلجأ إليه ملوك البلاد في عديد من القضايا، حدثنا عن ذلك؟
الملك سلمان- يحفظه الله- مستودع أسرار الأسرة المالكة، فقد كان الساعد الأيمن للملك فهد- رحمه الله- ومستشاره في عديد من القضايا المحلية والدولية، وهو المسؤول الأول عن الأسرة المالكة في فترات طويلة جدا، ويلجؤون إليه في كل صغيرة، فقد لازم ملوك البلاد السابقين- رحمهم الله جميعا- منذ عهد الملك خالد، فاكتسب منهم الشيء الكثير، وكان صاحب قرار مؤثر في الأمور المهمة التي مرت في الدولة، ويؤخذ برأيه ومهاب الجانب.
صف لنا الملك سلمان بن عبدالعزيز وهو المشغول من زمن بهموم الوطن والمواطن؟
يذهلك الملك سلمان في قوة ذاكرته حين يحدثك عن أمور وأشياء وكأنه يقرأ من كتاب، خاصة تجاه الكتب والمراجع قديمها وحديثها، وتجاه أسماء القبائل وأفخاذها ورجالها، وتجاه أسماء العلماء والمفكرين والمثقفين والإعلاميين والإداريين، تجاه الأحداث السياسية الداخلية والخارجية، وتجاه التاريخ البعيد إضافة إلى القريب، وهو شخصية محبة للتاريخ، خصوصا تاريخ المملكة وتاريخ القبائل العربية، وكان في مجالسه الخاصة محورا مهما في الحديث، فهو يمتاز بذاكرة حديدية، وكان يباغتنا ببعض الأسئلة التي لم نكن مستعدين لها، وأحيانا تجد الجواب لديه، ومع قوة شخصيته كان لين الجانب عطوفا رحيما إلى درجة عجيبة، يتحامل على نفسه بشكل كبير.
#2#
يعرف عن الملك سلمان دقته في الوقت.. وكمرافق له ومرتب لعديد من الزيارات حدثنا عن ذلك؟
الملك سلمان دقيق في الدوام والنظام، وكنا نرتب له في لقاءاته أو زياراته المستشفيات أو في اجتماعاته بدقة؛ لحرصه الشديد على ذلك، ويريد أن يعلم المسافة والزمن من قصره إلى المكان المقصود ليصل في الوقت المناسب، وأحيانا يلتفت إليّ ويقول: "حنا تقدمنا دقيقة أو تأخرنا نصف دقيقة"، فكنا نضبط الساعة على مواعيده من دقته، كما أنه لا يسمح لأحد بتضييع وقته، ولا يجامل أحدا في ذلك، ويدير الجلسات أو المجالس واللجان بما يكفي من الوقت وعلى نحو لا يسمح بإهدار شيء منه سدى.
كيف يتعامل الملك وأنت قريب منه في بعض المواقف التي يتطلب فيها الحسم؟
عاش الملك سلمان نحو 50 عاما حاكما للرياض، وكان يوميا في حالة وجوده في الإمارة يلتقي المواطنين، ولا بد أن تجد من يتجاوز في الحديث أو يرفع الصوت أو يخترق الأنظمة وهذا أمر متوقع، فكان الملك- يحفظه الله- شديد الملاحظة جدا، لكنه يتعامل بالدبلوماسية والعفو واللين والشدة وقت الشدة، وكان يحل الأمور دون اللجوء إلى العقاب والنهر، فهو كريم النفس، لديه فلسفة ممارسة البت الفوري إذا كان في الاستطاعة الإنجاز والبتّ فيها.
وهنا أتذكر قبل سنوات طويلة عندما كان في استقبال المواطنين في الإمارة دخل عليه شخص يريد تصريح زواج من خارج المملكة، وقال لا أحد يريد الارتباط به، فتعاطف معه الملك بشكل كبير، وأمر له بعطية مجزية جدا جدا، وحل موضوعه بشكل عاجل، وكان حريصا على ألا يجرح هذا الشخص من أحد بل يلاطفه.
كيف تصف علاقة الملك مع أسرته؟
الملك- يحفظه الله- حريص جدا على الالتقاء بعائلته، ويخصص لهم الوقت الكافي، ولديه برنامج عائلي، ويتابع أولاده، وفي حالة عدم اتصالهم به يتصل بهم في اليوم أحيانا ثلاث مرات، يرعى عائلته الخاصة وكأنه متفرغ لها في الاهتمام والجهد والوقت، ويتابع أبناءه في الدراسة والتعليم، ويقترح عليهم من باب الترشيح أن يطلعوا على كتب معينة ولكن دون إملاء أو إلزام.
وكيف علاقة الملك سلمان بمن حوله؟
من الصفات المشهورة عن الملك سلمان التي أجمع عليها القاصي والداني هي الوفاء، فحين يذكر الوفاء نجد سلمان بن عبدالعزيز بإنسانيته وفعله وتطبيقه، وشواهد التاريخ على ذلك لا تُحصى، ويذكر التاريخ وقوفه مع إخوانه في مرضهم، وملازمته أخاه سلطان يرحمه الله، فوفاء الملك سلمان خصلة فطرية وسلوك خلقي جبل عليه وميزة شخصية وهبها الله له.
ولم يقتصر وفاء سلمان على إخوانه الملوك الذين انتقلوا إلى رحمة الله، بل تخطاه إلى جميع أبناء شعبه ومجتمعه، فها هو يقدر الكبير ويزور المريض، ويشارك في الأفراح ويعزي في المآسي، ويسأل عن الغائب، وأنا شخصيا حصل لي حادث في مارس 2009 بعد مغادرتي العمل ليلا، فجاءني مدير مرور الرياض في المستشفى، وكنت في حالة يرثى لها، وكان الوقت الساعة الثانية ليلا، فتم إبلاغ سنترال القصر، وفي اليوم الثاني زارني الملك سلمان شخصيا، وأمر بنقلي من المستشفى الجامعي إلى التخصصي، ولم يكتف بذلك حيث كان يتابع حالتي.
وبعد ذلك بأيام مرض الأمير سلطان، فسافر الملك سلمان معه إلى أمريكا مرافقا، إلا أن ذلك لم ينسه الاتصال للاطمئنان عليّ في الأسبوع مرتين وثلاث مرات.
#3#
وبعد سفري إلى ألمانيا وتشيكوسلوفاكيا لإعادة التأهيل لم تنقطع اتصالاته عني بشكل شبه يومي، على الرغم من همه بمرض الأمير سلطان، وابتعاده عن السعودية فترة طويلة، لكن وفاء الملك سلمان مع الأمير سلطان يندر وجوده.
وأنا أكنى من الآخرين بأني ابن الأمير سلمان، حيث إنه احتواني من الصغر من تخرجي ملازما، وكان فرحا جدا بتعييني في قصره بحكم امتداد الأصول، فوالدي الشيخ محمد الصحابي رحمه الله ممن عاصر الملك عبدالعزيز، وكان أمير الطائف، وركنا من أركان الدولة، وقال لي الملك سلمان بعد التعيين: "الحمد لله أنك تعينت عندي واسم على مسمى، وأرجو أن يكون امتداد خدمة جدك وأبيك فيك، والحمد لله حصل هذا الشيء".
وخدمت الملك سلمان 31 عاما حتى أصبت في حادث، وقد زارني الملك سلمان في منزلي بعد عودته من أمريكا على الرغم من مشاغله؛ لعدم استطاعتي المشي أو الحركة بالشكل السليم، وكانت الزيارة بلسما كبيرا لي، وهذا الشيء غير مستغرب على الملك سلمان، حيث كان يزور ناسا أكثر بعدا مني، وكان يقول دائما: "عبدالله الصحابي أحد أبنائي".
وأنا تربيت على يديه- حفظه الله- ولا أنسى مواقفه على كثير من الناس.
يُعرف عن الملك سلمان تواصله مع عديد من الأسر السعودية، يشاركهم أفراحهم وأتراحهم، ويزورهم في مرضهم .. كيف تصف لنا ذلك؟
الملك سلمان حريص جدا على هذا الجانب، وهو التواصل المستمر مع أبناء الوطن بمختلف شرائحهم، وكنت أرتب له زياراته لكثير من الشخصيات في المستشفيات سواء الحكومية أو الخاصة، وكان يسأل المختصين في المستشفيات: من الموجودون عندكم؟ ويزورهم أو يقف عليهم ويسألهم: من أنت؟ لعدم معرفته بهم، فكان عندما يزور شخصا يعرفه يقوم بزيارة من حوله، وهذه من سمات التواضع، كما أنه حريص على زيارة الشخصيات التي أسهمت في بناء الوطن وكذلك العلماء، فلا يخلو برنامج الملك الأسبوعي من زيارة مريض أو زيارة عالم من العلماء.. وفي رمضان من كل عام يزور منازل أهل جدة، ويلتقي كذلك أهالي مكة المكرمة، فهذه عادة سنوية يحرص عليها خادم الحرمين الشريفين، حيث يلتقي في العشر الأواخر وجهاء مكة وجدة.
في الحل والترحال.. ما برنامج الملك؟
كان الملك يقتنص الوقت في السيارة في حالة بُعد المسافة ويقرأ القرآن الكريم، فهو صاحب صلة يومية متجددة بالقرآن الكريم، لا يترك ورده القرآني في حضر ولا سفر، فإذا جاء رمضان تعاظم الورد وطال، فهو يختم القرآن في رمضان من أربع مرات إلى ست مرات على الرغم من دواماته وارتباطاته ومشاغله، فالقرآن رفيق دربه، وهو دائما معه في سيارته، كما أنه يعتمر في السنة مرة أو مرتين.
وأذكر قبل 25 عاما كنا عائدين من العمرة في النهار ومعنا مجموعة كبيرة، وكان الزحام شديدا في الحرم ليلة 21 رمضان، فافترق المرافقون، وضاع بعضهم، وكان الموقف صعبا حتى الموكب لم يستطع الحضور لإغلاق جميع الطرق، فمشينا أنا والملك سلمان فقط على أقدامنا إلى قصر الصفا عند الملك فهد رحمه الله، ووقفنا في الطريق وأخذنا بعض التمر وماء زمزم ولم يتذمر أو يعتب بأي كلمة، والسبب إغلاق الشوارع، فلم تستطع السيارات والمرافقون الوصول من الزحام الشديد.
اقتربت من الملك خلال استقباله ولقائه المواطنين، ما التعليمات التي توجه لكم أثناء تلك الاستقبالات؟
خلال لقاءاته مع المواطنين يشدد على عدم إبعاد المواطنين أو مضايقتهم، وأذكر مرة في الحرم خلال أداء العمرة التفت إلي وقال: أقسم بالله لو لاحظت منكم أي حركة فسأترك الحرم وأرجع أدراجي، إياكم أن تتعرضوا لأي شخص.
وكنا نمتثل لأوامره مع الحرص الشديد عليه، ويوجد مقطع فيديو وهو يسلم على الناس من غير وجود أحد حوله من المرافقين، وكانوا يقتنصون فرصة وجوده في الحرم ويقدمون له مظلمة أو حاجة أو مساعدة، وكان يأخذها بعناية ويحل أكثر الأمور التي ترد إليه.
وهنا تبرز أهم صفات الملك سلمان إذا حدثت مشكلة لأحد من معيته، سواء مدنيين أو عسكريين يجنبه عن العمل فترة إلى أن تنتهي قضيته، ويدقق أكبر تدقيق بما تم، وبناء عليه يتخذ إجراء؛ لأنه لا يرضى أي أحد من معيته تكون عليه قضية عالقة، وهذه حصلت لأكثر من شخص من العسكريين والمدنيين العاملين معه، فيجنب عن العمل فيكون في الجانب الآخر إلى أن تتضح الحقيقة ولا تأخذه في الحق لومة لائم.
ما أبرز ما يدار في مجالس الملك الخاصة والعامة؟
تطبع حياة الملك سلمان في مقامه وتنقلاته وسفره بالعلم والثقافة، فهو صديق الكتاب، فالقراءة لها برنامج دائم مفتوح لا مجرد هواية استثنائية، فهو يختار من الكتب ما يقرؤه في سفره وترحاله، والدليل على هذا الحرص في قصره- يحفظه الله- مكتبة خاصة ضخمة تضم كتبا في شتى المجالات، ولهذا يتصف الملك سلمان بثقافته الواسعة، وهو مدرك لشؤون الوطن العربي وأحوال العالم الإسلامي، كما هو معروف أيضا عن الملك سلمان أنه صديق للإعلاميين والكتاب، فهو حريص على القراءة المباشرة للصحافة، يقرأ عددا كبيرا من الصحف، ويناقش الكتاب في بعض ما كتبوا، ويصحح عديدا من الأمور لديهم، كما هو أيضا معروف عنه أنه شغوف بالتاريخ إلى درجة "العشق"، ولهذا لا تخلو مجالس الملك من الحديث عن التاريخ والثقافة.