مشاهد في وفاة مليكنا
هي سنة الحياة، نودع كل يوم قريبا أو حبيبا، وننتظر دورنا وهو آت ولو طال الأمد. بالأمس ودعنا مليكنا الملك عبدالله رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. وفي وفاة مليكنا مشاهد تستدعي التأمل. المشهد الأول: هو وضوح المكانة التي يتمتع بها الملك الراحل في قلوب الناس، وهي مكانة لا ينكرها إلا جاحد، ولا يشكك فيها إلا حقود. ببساطته وتلقائيته وعفويته اجتاز الملك الراحل طريقه نحو قلوب الناس في المملكة وخارجها. إنسانية الملك كانت القاسم المشترك لحب الناس، وفي كل مكان يتطلع الناس دائماً إلى قائد يتعامل معهم بعقل وفكر قائد وقلب إنسان، وعندما يجدون بغيتهم لا يبخلون عليه بالحب والتقدير والمساندة، القادة والحكام في العالم أجمع تسيطر عليهم البروتوكولات، ويتكلفون في كلماتهم وإبداء مشاعرهم، ويصعب على مشاهديهم والمتعاملين معهم كشف نواياهم وما يكمن في نفوسهم. أما هذا الرجل فيقدم نفسه للآخرين في كل مناسبة بلا غموض أو تظاهر، ومن منا يستطيع أن يتجاهل كلماته البسيطة وهو يطلب من الناس أن يعفوه من لقب ملك الإنسانية، ويؤكد أن الملك هو الله، يفعل هذا في حين أن الحكام يروجون بأنفسهم أو من خلال مسوقيهم وتابعيهم ألقاباً ومسميات لا تخلو من مبالغة وتفخيم، بل قد لا يصلح إطلاقها على بشر.
المشهد الثاني: هو مشهد متكرر وليس جديداً علينا، ولكن نفخر ونعتز به كثيراً، مراسم تشييع جنازة الملك ووصوله إلى مثواه الأخير طيب الله ثراه، هو مشهد حصري لا يراه العالم إلا في المملكة، قائد وحاكم وملك يحملونه مكفناً، تغطيه عباءة بسيطة على طاولة خشبية، يصلون عليه صلاة الجنازة في المسجد ومنه بشكل مباشر وسريع إلى مثواه الأخير الذي يجاوره فيه ملوك وبسطاء، فلا قبر ولا شاهد ولا غرفة دفن خاصة تليق بملك!
المشهد الثالث: كان صاحبه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وفقه الله وسدد خطاه وأعانه على حمل الأمانة، بدا في لحظة متأثراً بوفاة شقيقه ومليكه ورفيق عمره، وفي لحظة تالية ترك أحزانه سريعاً ليبدأ في الوفاء بمتطلبات منصبه وموقعه في ظل ظروف إقليمية وعالمية غاية في الصعوبة والخطورة. وهنا تظهر قوة الشكيمة وحسن القيادة والشعور بالمسؤولية.
المشهد الرابع: هو سرعة انتقال دفة الحكم والقيادة من ملك إلى ملك، وهي تعكس بكل تأكيد قوة العائلة المالكة التي استطاعت أن تمرر رسالة للداخل والخارج بأن هذا الوطن آمن، وأن هناك دائماً من هم قادرون على تحمل تبعات قيادته وتجنيب شعبه ويلات الفرقة والفتن. وما أجمل العبارة التي تداولها الكثير من السعوديين، والتي تقول نمت وولي أمري عبدالله بن عبدالعزيز، واستيقظت وولي أمري سلمان بن عبدالعزيز، لا دماء ولا فوضى ولا حالة طوارئ ولا حكومة انتقالية، فالحمد لله على الأمن والإيمان.
المشهد الخامس: هو مشهد تولية وبيعة ولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف وفقه الله وسدد خطاه، الأمير يمثل الجيل الثالث في عائلة آل سعود، وبالتأكيد تم اختياره على أسس يدركها ولي الأمر، وفي كل الأحوال لقيت تولية الأمير محمد منصبه الجديد قبولاً وترحابا واضحين، فشخصيته ومؤهلاته وصغر سنه تدعمه في خدمة المملكة وشعبها خلال المرحلة المقبلة. كلنا ندرك ونعايش الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة والعالم أجمع، وندرك أيضاً أن لدينا طموحات كثيرة في وطننا ما زلنا نسعى إلى تحقيقها.
أما المشهد الأخير فهو مشهد مضحك في وقت حزين، حيث انتظار البعض إجازة جديدة حداداً على وفاة الملك الراحل تضاف إلى إجازة منتصف العام الدراسي، وكأن الإجازة من العمل مقرر مكتوب في الأفراح والأحزان، وخيراً فعلت الحكومة بتوقيف العمل يوماً واحداً فقط، فلا وقت للنوم، ولا وقت أيضاً للحزن، فوطننا ومحيطه بأكمله يمران بظروف دقيقة للغاية، لا تحتمل سوى العمل والإنجاز والتكاتف. رحم الله مليكنا الراحل وأعان مليكنا الجديد وولي عهده وولي ولي عهده، وأعاننا معهم على الوفاء بآمال وأهداف وطن ما زال يستحق منا الكثير.