في تطوير العمل الخيري

بدأ الملك سلمان ــ وفقه الله ــ فترة حكمه بقرارات مميزة تستهدف إعادة بناء الدولة، وإزالة المعوقات البيروقراطية من على وجه الجهاز الحكومي العتيق، وضخ دماء جديدة في عروقه حتى امتلأت قلوب أفراد المجتمع بالأمل والتفاؤل. شمل مشروع إعادة البناء هذا إلغاء ودمج واستحداث كيانات حكومية نرجو أن نرى أثره في الأداء الحكومي في القريب العاجل.
إن القطاع الخيري اليوم يحتاج إلى نظرة حكيمة من قائدنا خادم الحرمين الملك سلمان الذي كان على مدى سنوات طوال، ورغم انشغالاته، أكبر الرعاة والمهتمين بأعمال الخير وقطاعه، ونحن نتطلع إلى تطوره ودعمه على صعيد المرجعية والأنظمة والأدوات. فبالرغم من الجهد الرائع الذي يؤديه القطاع الخيري، إلا أن حجمه وأثره في المجتمع لا يتناسب مع أهميته والدور المتوقع منه. فحجم القطاع الخيري السعودي ومنظماته الرسمية لا يعبر عن حجم حبنا الأكيد لعمل الخير حكومة وشعبا، حيث لا يتجاوز عدد المنظمات الخيرية السعودية ألف منظمة خيرية فقط. كما أن تنوع حاجات المجتمع وتسارع التحديات التي يواجهها الفقراء والمحتاجون لا تتناسب مع حجم الثروات التي لدى الأثرياء والتجار. إضافة إلى أن الاهتمام المتنامي من قبل الشباب السعودي بشؤون المجتمع ورغبتهم المتزايدة في المشاركة المجتمعية لا يتفق مع المساحة المنظمة والآمنة المتاحة لهم للقيام بأعمال تطوعية خدمية للمجتمع. ومع التطور في البناء التنظيمي لكثير من مجالات العمل الحكومي واستقلال بعضها في هيئات متخصصة، إلا أن الجهات المشرفة على عمل المنظمات الخيرية ما زالت إدارات صغيرة متفرقة في وزارات تعج بمسؤوليات جسيمة وكثيرة كما هو الحال في وزارتي الشؤون الاجتماعية والشؤون الإسلامية.
القطاع الخيري في الدول المتقدمة له دور تنموي مؤثر، فهو شريك الحكومة في تقديم الخدمات وتحقيق رفاهية المواطنين، وله دور مؤثر في مسيرة التنمية الشاملة، فالقطاع الخيري الأمريكي على سبيل المثال يوظف قرابة 10 في المائة من القوى العاملة، وفي بريطانيا يبلغ حجم القطاع الخيري قرابة 200 ألف منظمة خيرية، وفي أستراليا بلغ حجم التبرعات لعام 2013 أكثر من 250 مليار ريال سعودي.
وحتى يكون للقطاع الخيري السعودي الدور ذاته الذي يؤديه في الدول المتقدمة، فإن الحاجة ماسة لإعادة بنائه وفقا لأفضل الممارسات العالمية، ومن ذلك إنشاء هيئة وطنية مستقلة تشرف عليه وتعنى بتطويره تجتمع تحت مظلة اهتمامتها الأوقاف بمختلف أحجامها والمنظمات الخيرية بتنوع أشكالها والمتطوعون بتفاوت أنشطتهم. يرافق الهيئة نظام فاعل ومرن يواكب تطلعات المجتمع في التعبير عن حبهم للخير ويحقق تطلعات الحكومة في ضمان استخدام آمن وكفؤ للتبرعات والأنشطة الخيرية، مما يحقق شراكة فاعلة بين القطاع الحكومي والقطاع الخيري في تحقيق تنمية شاملة ومستدامة. أن وضعنا التنموي ــ بحمد الله ــ يشكل فرصة سانحة للنهوض بالعمل الخيري السعودي نحو آفاق جديدة وأدوار ريادية، ونقله من قطاع ثانوي إلى قطاع رئيس يستثمر رؤوس الأموال الخيرية ويستقطب أفضل الطاقات البشرية في بيئة عمل آمنة ومستقرة ومنظمة، كيف لا وخادم الحرمين الملك سلمان منغمس في العمل الخيري المؤسسي منذ سني شبابه، فتاريخه الخيري يمتد لقرابة س60 سنة ماضية، ونشاطه الخيري يتوسع ليشمل رئاسة أكثر من 40 جهة خيرية في داخل المملكة وخارجها، وأبناء سلمان لهم أيضاً مشاركات ناصعة في عمل الخير، ففهد بن سلمان ــ رحمه الله ــ كان الأمين العام للجمعية الخيرية لمرضى الفشل الكلوي، وتولى الإشراف عليها من بعده أخوه عبدالعزيز بن سلمان، وسلطان بن سلمان يترأس أكبر جمعية خيرية للأطفال المعوقين في الشرق الأوسط، وأحمد بن سلمان ــ رحمه الله ــ كان الرئيس الفخري للجمعية السعودية للطب، وفيصل بن سلمان يرأس جمعية تكافل لرعاية الأيتام، ومسك الختام "مسك" وهي مؤسسة خيرية أسسها آخر أبنائه محمد بن سلمان من ضمن مجموعة أعمال خيرية أخرى.
تلك ريادات خيرية يتطلع الوطن إلى المزيد منها في المسيرة التي يقودها خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز ــ وفقه الله وسدد خطاه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي