التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز فرقعات إعلامية
مع اقتراب موعد السقف الزمني الذي حدد للمفاوضات بين إيران والدول الست الكبرى بشأن برنامجها النووي بنهاية شهر مارس الجاري، نفذت البحرية الإيرانية أخيرا مناورات في مضيق هرمز تهدف إيران من ورائها إلى إرسال رسائل تعزز موقفها التفاوضي. ومع أن مثل هذه التحركات لا تخرج عن كونها استعراضا للعضلات فإنها تساهم برفع تكلفة الشحن عبر المضيق وينتج عنها تباطؤ في حركة مرور السفن والناقلات إضافة إلى ارتفاع قيمة التأمين على السفن العابرة للمضيق لاعتبار منطقة الخليج منطقة حرب. من جانب آخر تجدد هذه التحركات المخاوف من احتمال تعطيل حركة الملاحة البحرية عبر المضيق وتستدعي التفكير الجدي ببدائل لضمان استمرار حركة التجارة من وإلى دول المجلس.
وأهمية هذا الموضوع تكمن في أن بعض دول الخليج العربية لا تملك منفذا إلى الأسواق العالمية سوى مسار واحد عبر مضيق هرمز الذي يبلغ عرض أضيق نقطة فيه 34 كيلو مترا. وما يكسب هذا الممر البحري أهمية كبرى للاقتصاد العالمي أن نحو 17.5 مليون برميل نفط تمر يوميا عبره تمثل نحو 20 في المائة من إجمالي الإنتاج العالمي للنفط وتشكل نحو 40 في المائة من إجمالي النفط المنقول بحريا. ولذا أطلق عليه سايروس فانس وزير الخارجية الأمريكي الأسبق "حبل الوريد" للاقتصاد العالمي.
وللمضيق أهمية مضاعفة بالنسبة لدول المجلس، فهو يعد منفذا للجزء الأعظم من صادراتها من النفط ومجمل صادراتها من الغاز المسال. إضافة إلى ذلك يمر عبره نحو 85 في المائة من صادرات دول المجلس من البتروكيماويات و100 في المائة من الأسمدة الكيماوية والألمنيوم. ولا تقتصر أهمية المضيق على الصادرات بل الأمر ينسحب أيضا على الواردات، التي أبرزها:
- خامات الحديد لمصانع الحديد في كل من المملكة وقطر وأبو ظبي.
- خامات البوكسايت لمصاهر الألمنيوم في كل من البحرين وأبو ظبي ودبي.
- الحبوب، التي تراوح بين 20 في المائة للقمح و80 في المائة للأرز وفقا لمؤسسة "تشاتام هاوس".
ونتيجة للتلميح المتكرر من قبل قادة إيران باستخدام القوة لإغلاقه، أضحى المضيق "الأعلى في قائمة المخاطر" لمخططي الطاقة، حيث يعد واحدا من نقاط الضعف فيما يخص إمدادات النفط. ويمر عبر مضيق هرمز 88 في المائة من صادرات المملكة النفطية "ستة ملايين برميل يوميا" وترتفع النسبة إلى 100 في المائة لكل من الكويت وقطر فيما تنخفض نسبة صادرات أبو ظبي إلى 40 في المائة أثر تشغيل خط أنابيب حبشان ـــ الفجيرة في عام 2012 الذي يضخ نحو 1.5 مليون برميل يوميا. وتشترك المملكة مع أبو ظبي في امتلاك القدرة على تحويل جزء كبير من الصادرات النفطية إلى موانئ بديلة على البحر الأحمر بالنسبة للمملكة وعلى خليج عمان إلى أبو ظبي. وتصل قدرة البلدين البديلة إلى 6.5 مليون برميل يوميا، أي نحو 40 في المائة من مجموع تدفقات دول المجلس النفطية، وبالتالي فهما في وضع أفضل من باقي دول المجلس في حال تمت عرقلة التجارة عبر المضيق. وتغيب الخيارات البديلة بالنسبة إلى الصادرات الخليجية من الغاز الطبيعي المسال وتحديدا من قطر وأبو ظبي. وسيكون إغلاق المضيق أشد تأثيرا في قطر التي تعد أكبر دولة مصدرة للغاز المسال عالميا. وعلى عكس النفط فإن تأثير إغلاق الممر في إمدادات الغاز إلى الأسواق العالمية سيكون محدودا لكون ما ينقل منها بحريا لا يتجاوز 9 في المائة من حجم استهلاك الغاز عالميا. ومع ذلك فإن التأثير في مستهلكي الغاز القطري في آسيا، وتحديدا اليابان وكوريا الجنوبية وكلاهما يعتمدان بشكل مكثف على الغاز القطري المسال، سيكون كارثيا في حال انقطاع إمدادات الغاز خصوصا بعد تحول اليابان إلى الغاز لتوليد الكهرباء في أعقاب كارثة مفاعل فوكوشياما.
من هذا المنطلق فإن مصالح الأسرة الدولية ومصالح دول الخليج العربية وثيقة الارتباط بإبقاء مضيق هرمز مفتوحا. وتتشكل مواقف الدول الكبرى حسب اعتمادها على نفط الخليج، فعلى سبيل المثال، لم يمر في عام 2013 سوى 16 في المائة من النفط الذي اشترته الولايات المتحدة عبر المضيق، متراجعا من نحو 24.5 في المائة عام 1990. في المقابل ازداد اعتماد الهند والصين على وارداتهما النفطية عبر المضيق بشكل مطرد ليصل في الوقت الحاضر إلى 63 و42 في المائة على التوالي من إجمالي واردات البلدين النفطية. وترتفع النسبة في اليابان التي يمر 82 في المائة من وارداتها النفطية عبر مضيق هرمز.
ووفق حسابات المنطق لن تقدم إيران على إغلاق المضيق حتى في أحلك الظروف الاقتصادية، فالاقتصاد الإيراني مرتبط بالصادرات النفطية عبر مضيق هرمز على الرغم من تراجعها بسبب العقوبات الدولية المفروضة على استيراد النفط الإيراني التي دخلت حيز التنفيذ مطلع يوليو عام 2012. لكن الاحتمال الأكبر يتمثل في حدوث تباطؤ في حركة الشحن عبر المضيق وافتعال ازدحام في حركة مرور الناقلات واستخدام مسوغات قانونية لعرقلة مرور الناقلات، ما يجعل التدخل الدولي أكثر تعقيدا من الناحية الدبلوماسية، ولكن يبقى هذا التدخل مؤثرا جدا.
ما يهمنا في هذا الشأن السعي إلى إيجاد بدائل ومسارات جديدة لصادراتنا النفطية وغير النفطية للتعامل مع مختلف السيناريوهات. أحد البدائل لضمان إمدادات النفط حتى في حالة وجود صدام عسكري يتمثل بالتوسع في بناء مرافق تخزين النفط بالقرب من الأسواق الرئيسة. فهذه الخطوة كفيلة بتحقيق قدر أكبر من الثقة في التعامل مع أي صدمات قد تصيب نظام النقل عبر مضيق هرمز. والبديل الثاني يتمثل بالتفكير جديا في بناء شبكات نقل وتوزيع محلية وإقليمية. وسبق لدول المجلس في عام 2003 دراسة خطط لإنشاء شبكة أنابيب للنفط تمتد من الكويت عبر السعودية إلى عمان، إلا أنها قررت في 2007 تجميد المشروع. والاستثناء الذي تم تشغيله عام 2006 يتمثل بشبكة أنابيب دولفين التي تنقل ملياري قدم مكعب معياري يوميا من غاز الوقود "الميثان" من رأس لفان في قطر إلى أبو ظبي وعمان. ومن المعلوم أن نقل النفط والغاز والمشتقات النفطية عبر الأنابيب يعد الأفضل من ناحية السلامة والبيئة والجدوى الاقتصادية . ففي الولايات المتحدة يتم سنويا نقل ثلثي المنتجات النفطية عبر شبكات أنابيب يصل مجموع أطوالها إلى 55 ألف ميل وتنقل نحو 14 مليار برميل من النفط الخام والمشقات النفطية سنويا.
خلاصة القول إن التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز لا تخرج عن كونها فرقعات إعلامية ومن غير المحتمل أن نشهد إغلاقا كاملا لمضيق هرمز لأن الصدمة التي سيحدثها الإغلاق بتأثيراتها في حركة التجارة العالمية ستؤدي إلى حشد الدعم الدولي للتدخل العسكري وستتيح للأسرة الدولية إعلان المضيق ممرا دوليا. لكن ذلك لا يجب أن يثني دول المجلس عن المضي في مشاريع مشتركة لنقل الغاز والنفط وأخرى لنقل البضائع ممثلة بشبكة السكك الحديدية الخليجية التي ستوفر المرونة لنقل الصادرات والواردات عبر موانئ المملكة المطلة على البحر الأحمر.