التعليم .. تركة ثقيلة على عاتق الوزير «1»

قام وزير التعليم الجديد الدكتور عزام الدخيل بعدد من المبادرات الإيجابية التي أظهرت مدى اهتمامه وحرصه على تطوير مرفق التعليم، فقد كان قريباً من الطلاب ومن المعلمين ببساطته المعهودة، وكذلك هو أحد أولياء الأمور ويعرف بواطن الأمور واحتياجات أولياء الأمور. حيث إنني أعرف الدكتور عزام عن قرب من خلال عضوية مجلس إدارة المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق. فهو شخص حريص على التطوير وتبني الأفكار الحديثة وتطبيق التقنية، وإعمال مبدأ المشاركة العامة للسماع من الجميع، وضرورة مساهمة الكل، كانت آخرها استبانة تحديد الوقت المناسب لبداية اليوم الدراسي الذي لم يفرق بين شتاء ولا صيف ولا نعلم حتى الآن أسباب اختيار هذا الوقت. وكذلك مشاركة الطلاب في تصميم الشعار الجديد للوزارة، وتلك مبادرات تظهر توجه هذا الوزير. ولا يسعني ذكر المآثر والإيجابيات، فيكفيه فخرا حصوله على الثقة الملكية بتعيينه وزيرا للتعليم بعد دمج وزارة التعليم العام مع وزارة التعليم العالي.
وحيث إن قطاع التعليم هو ركن أساسي في بناء المجتمع وتحقيق مستقبل مشرق له، فقد سبق أن كتبت مقالة بعنوان "التعليم العام .. إلى أين المآل؟" بتاريخ 8 / 12 / 1435 هـ، وكذلك مقالة بعنوان "المواطن بين مطرقة التعليم الأهلي وسندان التعليم العام" بتاريخ 1 / 12/ 1435 هـ. تحدثت في هاتين المقالتين عن عدد من الملاحظات التي تستحق الاهتمام من أجل تطوير مرفق التعليم في السعودية. وفي هذا المقال أقدم للوزير نصيحة واحدة ضمن سلسلة من النصائح التي ستذكر في مقالات أخرى مستقبلا، وأنا على يقين باهتمام الوزير بها، إن لم يكن قد سبقني بمبادرة منه.
النصيحة الأولى، يجب أن يتم فتح نافذة إلكترونية لتلقي وجهات نظر أولياء الأمور في المدرسين ومستوياتهم، وأي ملاحظات مرتبطة بهم Feedback. وهذا يستوجب التحول الكامل إلى الوزارة الإلكترونية تماشيا مع الحكومة الإلكترونية التي تبنتها الدولة، وقد حقق عدد من الوزارات فيها خطوات عملاقة بفضل الشفافية والسرعة وسهولة إدارة الأعمال.
وأقصد بذلك أن يكون لكل طالب من خلال الهوية الوطنية حساب مستقل يمتلكه ولي الأمر، وبإمكانهم الاطلاع على مسيرة وأداء أبنائهم الدراسية وكذلك يحق لهم وضع الملاحظات والاستفسارات، وطلب تعبئة الاستبانة عن كل مدرس مدرج ضمن طاقم التدريس للطالب. وبذلك فإن الوزارة قد استعانت بمراقبين خارجيين بالمجان من أولياء الأمور لتقويم أداء المعلمين وهم سعداء بوضع ملاحظاتهم أيا كانت إيجابية للمعلم أو سلبية عليه. ويجب أن يكون أسلوب استخدام هذه التقنية سهلا وواضحا من خلال موقع الإنترنت أو تطبيقات الهواتف الذكية، مترافقا مع حملة إعلامية للتعريف بهذه التقنية والتشجيع على استخدامها.
وقد يسأل سائل من مسؤولي الوزارة عن ضخامة كمية هذه المعلومات والقدرة على تحليلها والتعامل معها، والمطلع على البرمجة يعي أن بإمكان برمجيات الحاسب تحليل هذه البيانات ووضعها على شكل مبسط وواضح قابل للتحليل وسهل الاستنباط للنتائج، بحيث لو أراد المسؤول مكافأة أفضل عشرة معلمين في مدرسة معينة أو معاقبة أسوأ عشرة معلمين في منطقة معينة لأمكنه ذلك بضغطة زر من خلال البيانات المحفوظة، وهذه البيانات لها ارتباط بتقويم الأداء المقدم من الرئيس المباشر، وكذلك أداء الحضور والانصراف المعتمد من جهاز البصمة. وقد يسأل آخر عن مدى دقة هذه المعلومات الصادرة من استبانة أولياء الأمور، فلا مانع من البحث والتحقيق للتأكد من توافر جميع العناصر السلبية في المعلم وجعل استبانة أولياء الأمور هي شرارة البدء في التأكد، علما بأن نبي الرحمة ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ قال "لا تجتمع أمتي على ضلالة" أو باطل أو خطأ. وإن لم يتمكن المسؤول من العقاب وهو المتعارف عليه من خلال بيروقراطية الوظائف الحكومية، فإنه بالإمكان البدء في تطبيق مبدأ الثواب والتحفيز بالمكافآت للموظفين الجيدين.
وسماع صوت أولياء الأمور مطلب أساسي، فقد خضت تجربة سلبية في سنة واحدة درس ابني في مدرسة حكومية، وجدت فيها مثالين متضاربين، الأول مثال المعلم المخلص المتفاني، الذي عجزت أن أبين إيجابية هذا المعلم، فقد قابلت المدير وذكرت مدى تفاني هذا المعلم وحرصه فقال المدير ببرود هذا المعلم يقوم بواجبه! أما المثال الآخر فهو سلبي لمعلم متخاذل ومستهتر، لا يحضر، وإن حضر لا يشرح، وعند مناقشته عن أسباب تأخره في المنهج قال لي هذا أسلوبي في التعليم، فإن لم يعجبك فابحث عن مدرسة خاصة تلبي احتياجاتك! نقلت ما قاله للمدير فقال لي مدير المدرسة إنهم عاجزون عن فعل شيء له، لذا أوكلنا له المواد الهامشية، فقلت له هل مادة الرياضيات والعلوم مواد غير مهمة؟ ومعلم آخر يضرب طفلا لأن الطاولة تصدر صوتا إذا تحرك الطالب، ولم يكلف نفسه عناء بحث السبب وتغيير الطاولة، والقصص كثيرة، وما ذكرته هو ما رأيته أمامي.
في الختام، فإن الرقابة المباشرة على أداء المعلمين من خلال استخدام التقنية الحديثة وبمشاركة أولياء الأمور والإدارة المدرسية، ستوفر بيئة خصبة لإبداع المبدعين من المعلمين وإنصافهم ـــ وهم كثر ـــ ومثل هذه البيئة ستكون جحيما لا يطاق ضد المعلمين المتخاذلين ـــ وهم قلة ـــ فيكون عليهم لزاما ترك قطاع التعليم. فالسلبية والتخاذل الصادر من بعض المعلمين قد يؤثر سلبا ويكون مرضاً معديا لبقية المعلمين، فلا يسلم منه إلا الصابر المحتسب. لذا، من أجل تحقيق هذا المطلب فإن على وزير التعليم الاهتمام بجانب التقنية وتطوير الموقع الإلكتروني وتطوير التطبيقات للهواتف الذكية، وإشراك أولياء الأمور في هذه المهمة، وبإمكانه الاستفادة من تجربة وزارة التعليم العالي السابقة خاصة بعد الدمج، فهي متطورة في هذا المجال وقدمت منتجات رائعة مثل تطبيق "سفير".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي