العالم 2050

"ستيفن ساسون" هو مخترع أول كاميرا رقمية من مختبرات كوداك، تلك الشركة العملاقة التي كانت من كبريات العلامات التجارية في عالم التكنولوجيا، والتي قامت برأسمال 20 مليار دولار. عرض ساسون اختراعه في 1976 على مجلس إدارة الشركة، قائلا: "هذا هو مستقبل كوداك". بيد أن الشركة كانت تفكر بشكل تقليدي صارم. تمسكت بنمط عملها، وتجاهلت هذا العرض! ما أدى إلى إفلاسها في 2012 بعد تاريخ عريق حافل بالنجاحات لما يقارب 133 عاما.
ولم تكن كوداك الوحيدة التي كان يعوزها الخيال للإبداع والتجديد؛ إذ تفيد الإحصائيات العالمية بأن 40 في المائة من الشركات الـ500 الأكبر في العالم ستزول خلال السنوات العشر المقبلة بشكل أو بآخر.
والابتكار ليس حكرا على القطاع الخاص. فمع التغيرات العالمية، اتجهت الأجهزة الحكومية "الرقمية" في كثير من الممارسات الرائدة إلى إعادة هندسة نموذج تقديم خدماتها، للانتقال إلى تطبيق مفهوم الحكومة الذكية، كمرحلة تالية لمنحنى نضج الحكومة الإلكترونية، التي بدأ العمل بها قبل أكثر من عشر سنوات. ونجاح الاستراتيجية الوطنية لمجتمع المعرفة، والخطط التنفيذية للتعاملات الإلكترونية الحكومية يستدعي اجتثاث الأفكار "المتكلسة"، وتجديد الدماء، وبث الحيوية وروح التطوير، وتوظيف من يحملون القيم الملائمة والمتوافقة مع الفكر الابتكاري المراد إحلاله محل الفكر التقليدي.
وهنا نستحضر مقولة أينشتاين الشهيرة: "لا يمكننا حل مشكلات اليوم إذا ظللنا نفكر بنفس العقلية التي أوجدتها بالأمس". وهي الفكرة التي عبر عنها غازي القصيبي بقوله: "إن محاولة تطبيق أفكار جديدة بواسطة رجال يعتنقون أفكارا قديمة هي مضيعة للجهد والوقت". فغض الطرف عن هيمنة "الحرس القديم" الذين يمثلون "عنق الزجاجة" للأداء في الأجهزة الحكومية، الذي سيبقى دون المأمول، حتى لو توافرت معه أحدث التقنيات. ويعد "الحرس القديم" أقطاب مقاومة للتقنية والتطوير، بسبب الخوف من نتاج التغيير على مصالحهم ومكانتهم وأسلوبهم في العمل. وهم يعكسون صورة واضحة للمفهوم الذي رسمه "كيرت ليفين" عن استراتيجيات التغيير في منظمات القطاع العام، حين وصف أولئك الموظفين ذوي الأفكار العتيقة التي لا تتماشى مع الفكر الجديد بالقوة المضادة للتغيير، التي يجب إضعافها وإزالتها مقابل زيادة القوى الدافعة للتغيير، كشرط رئيس لإحداث التغيير وضمان نجاحه واستمراره.
لقد ولى زمن التقوقع والانكفاء على الذات، وأصبحت التقنية جزءا لا يتجزأ من حياة الإنسان المعاصر. والأمر لن يتوقف عند أجهزة الروبوت، والإنسان الآلي، وتطبيقات الحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي الذي يسمح للكمبيوتر بفهم احتياجات المستخدمين قبل طلبها، بل يحمل كل يوم آفاقا لا متناهية للتجديد والتغيير. فالثابت الوحيد في عالمنا اليوم هو "التغيير"!
لذا بات من اللازم على أجهزتنا الحكومية أن تواكب التقنية الحديثة في كل المجالات، والاستفادة منها الاستفادة المثلى في تحسين مستويات الأداء فيها، ورفع كفاءتها الإنتاجية، وجعل خدماتها أكثر استجابة لاحتياجات الجمهور، بل التجاوب مع تطلعات واحتياجات وتحديات المستقبل. فالمكان الطبيعي في وقتنا الحاضر للجهاز الحكومي، هو في قلب الإعصار، في تنور الطوفان، عند دفة التقنية في فلك اقتصاد المعرفة.
ترى كيف سيكون العالم في 2050؟ وما مستقبل أجهزتنا الحكومية في العقود القليلة المقبلة؟ وكم منها سيستمر في التفكير بطريقة "كوداك"؟! كلها أسئلة يجب أن تكون مطروحة للنقاش والتفكير العميق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي