«حزب الله» .. إرهاب عالمي وباع طويل في تزوير العملات وتهريب المخدرات
يعتمد ماثيو ليفيت، الزميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في كتابه "البصمة العالمية لحزب الله اللبناني" على مجموعة من المصادر المتنوعة، منها وثائق حكومية رفعت عنها السرية، وسجلات المحاكمات، والمقابلات الشخصية مع المخابرات والمسؤولين عن إنفاذ القانون في عدد من الدول.
يلقي الكتاب الضوء على دور "حزب الله" في حروب الظل العالمية.
وعليه، وفقا للباحثة في دورية السياسة الدولية، نسرين جاويش، يمكن إجمال أهم الأفكار المقدمة من قبل المؤلف من خلال 12 فصلا، وتقسيمها إلى محورين أساسيين: يختص أولهما بمصادر تمويل حزب الله، وغير المعروفة للكافة، وكيفية استخدامها في حوادث الإرهاب الدولي، وثانيهما يتعلق بالقيادي "حسان هولو اللقيس"، وعلاقته المستترة بحزب الله اللبناني
لا شك في أن هذا الكتاب سيملأ فجوة حيوية بحق في فهم الأبعاد الدولية لحزب الله، ونطاق عمله، وأنه الراعي الخفي لعديد من المنظمات الإرهابية على مستوى العالم، سواء على مستوى المشرق العربي، أو على المستوى العالمي، خاصة مع تأكيد المؤلف بين ثنايا السطور أن أنشطة حزب الله خارج المسرح اللبناني أقوى وأكثر تشعبا، وأن له أذرعا عديدة في كل دول العالم، بداية من آسيا، مرورا بأمريكا اللاتينية، وأوروبا، وانتهاء بالولايات المتحدة الأمريكية.
#2#
يشير ليفيت إلى أن حزب الله ما هو إلا "منظمة إرهابية" عالمية، ويحاول إلقاء الضوء على أنشطة الحزب في الخارج، خاصة مع استمرار الحرب بين حزب الله والولايات المتحدة لعقود طويلة، وكذا مع حلفائها، وعلى رأسهم إسرائيل، في الوقت الذي يحاول فيه توطيد سلطته في لبنان بالتعاون مع النظام الإيراني.
ويرى ليفيت أن حزب الله يضع مخالبه في كل حوادث الإرهاب العالمي، وأنه أكثر من مجرد كونه منظمة مسلحة مناهضة لإسرائيل وللولايات المتحدة.
ويؤكد ليفيت أن وجود حزب الله على الساحة يجب أن يكون مبعث قلق للأمريكيين، فأثره العالمي الحقيقي يمتد إلى مختلف القارات.
ويشير ليفيت إلى أن حزب الله مسؤول عن قتل عدد كبير من الأمريكيين يفوق الذين قتلوا على أيدي أي منظمة إرهابية أخرى.
ويلفت في هذا الإطار إلى تاريخ التنظيم في استهداف المصالح الغربية، بما في ذلك المصالح الأمريكية التي تعود إلى ما قبل نحو 30 عاما سابقة.
ويطرح الكاتب أمثلة على ذلك بقيام حزب الله بتفجير ثكنات مشاة البحرية الأمريكية، وثكنات الجيش الفرنسي في بيروت، وكلتاهما كانت جزءا من قوة متعددة الجنسيات لحفظ السلام.
ويصف ليفيت العلاقة بين إيران وحزب الله بالشراكة الاستراتيجية، فإيران هي الشريك الأساسي للتنظيم، وهو ما يفسر جزئيا ضلوع "حزب الله" في "الإرهاب الدولي" أكثر مما كان عليه الحال في أي وقت منذ أواخر الثمانينيات من القرن الماضي.
ويؤكد ليفيت أن حزب الله يحصل على ملايين الدولارات سنويا من إيران، فهو يتلقى ما يقرب من 200 مليون دولار سنويا لتمويل أنشطته الإرهابية.
كما أنه متورط في إساءة استغلال الأموال الخيرية، وكذا تورطه في نشاط جنائي بصورة أكبر من أي منظمة إرهابية على مستوى العالم.
وتراوح هذه الأنشطة بين عمليات احتيال صغيرة يرتكبها الأفراد المناصرون لحزب الله، إلى النشاط الجنائي الأكثر تنظيما، مثل مخططات شراء الأسلحة المعقدة التي تتضمن شركات للاستيراد والتصدير التي تعمل كواجهة، وكذا غسل الأموال.
ويوضح أن حزب الله يستخدم النظام المالي الرسمي. فهو يحتفظ بحسابات مصرفية، كما أن لديه مؤسسات تعمل في إدارة الأموال، وشركات بناء، فحزب الله ليس كيانا محظورا في لبنان.
من اللافت للنظر ذكر اسم "حسان هولو اللقيس" القيادي في حزب الله، الذي تم اغتياله، بين طيات الكتاب، وقد كان في السابق رئيس قسم المشتريات العسكرية في حزب الله، وكان يتم تمويل بعض أنشطة التنظيم من خلال الأموال التي كان يرسلها اللقيس من لبنان.
وأفرد له ليفيت مساحة لا بأس بها من الكتاب، وهو ما يدلل على أهمية هذا الرجل في التنظيم، خاصة أن أيا من السلطات الكندية أو غيرها لم تستطع إثبات تورطه رسميا، وهو الأمر الذي يثير التساؤلات، خاصة مع تأكد جميع الأطراف من تورطه في أنشطة الحزب "الإرهابية"، وتوفير التمويل اللازم لها.
ينتقل المؤلف بعد ذلك إلى الإجراءات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية في محاولة منها لوقف حركة التمويل للحزب، مشيرا إلى أن الأمر كله يعتمد على المناطق ذات الاختصاص القضائي.
ففي الأماكن التي يحظر فيها حزب الله، كليا أو جزئيا، هناك عقبات قانونية لاستهداف أموال الحزب التي تنتقل عبر تلك النظم المالية.
وفي الأماكن التي لا يحظر فيها الحزب، لا تزال هناك معايير تلزم المصارف القيام بإجراءات العناية الواجبة، ومعالجة المسؤولية الائتمانية تجاه مساهميهم، وموازنة المخاطر.
وحتى لو كانت الأموال في بلدان لم يحظر فيها الحزب، فهناك طرق للتعامل مع المؤسسات المالية، وتبادل المعلومات التي تفسر طبيعة المخاطر التي ربما يعِّرضون لها أنفسهم من خلال إجراء معاملات مالية تتضمن أموال حزب الله، إذا فعلوا ذلك عن علم ومعرفة.
يخلص الكاتب إلى أن حزب الله يعني أشياء كثيرة، فهو حزب سياسي، وميليشيات، وهو متورط في الجريمة الدولية.
ويضيف أن النشاط الجنائي الدولي، وعلى نحو متزايد، أصبح المصدر الأكثر أهمية لتحقيق الإيرادات لهذا التنظيم، وتلك هي نقطة الضعف لأنها تجعل التنظيم عرضة لمزيد من التدقيق من قبل قوات إنفاذ القانون.
وحتى قبل الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي، أبدت دول جنوب أوروبا، التي كان حزب الله ينقل المخدرات فيما بينها -على حد قول الكاتب- قدرا من التعاون في الغالب.
فلم يكن لتلك البلدان مصلحة في قيام أي كيان، سواء كان حزب الله، أو أي شخص آخر، بنقل المخدرات إلى بلادهم.
كما أن حزب الله يفضل تزوير العملات فئة الـ 100 دولار و200 يورو. وبعيدا عن كل تعريفات الإرهاب، يتعين على السلطات التي تحمي النظم المالية المحلية والدولية أن تأخذ الأمر على محمل الجد.
من العرض السابق، يجد القارئ، بحسب جاويش، أن الكتاب يستمد أهميته من كونه أول دراسة شاملة عن النشاطات السرية لحزب الله خارج حدود لبنان، بما يتضمنه ذلك من شبكات الدعم المالي، واللوجيستي، والعمليات "الإجرامية" و"الإرهابية" في جميع أنحاء العالم، إضافة إلى تأكيد المؤلف استعداد حزب الله لاستخدام العنف في الداخل والخارج، خاصة مع انتشاره العالمي، فضلا عن أن علاقته مع النظام الإيراني يجب أن تكون مصدر قلق بالغا.
ومن ثم، أيا كانت نقاط الاتفاق أو الاختلاف مع ليفيت في تحليله، فإن الكتاب يعد مهما للباحثين، وصناع القرار، والمهتمين بدراسة مجال الأمن والإرهاب، والمنظمات الإجرامية الدولية، ودراسات منطقة الشرق الأوسط بشكل عام.