اليمن .. حرب من نوع آخر
لا كهرباء ولا وقود ولا غذاء يبدد هلع اليمنيين المحاصرين من جراء القتال الدائر في أنحاء اليمن.
لليوم الثالث على التوالي يعود المواطن عمر زيد "عامل بناء" من مدينة الشرق بلا قمح لعائلته، فتجار القمح في هذه المدينة الواقعة بين ثلاث محافظات في الجنوب الغربي لليمن، يدّعون عدم توافره في الأسواق، ونفاد الكميات من محالهم، لكن عمر الذي يملك حاسة تفسير الأزمات رغم جهله القراءة والكتابة، يرى "أن حرب السوق، ليست بريئة مما تعانيه البلاد " في إشارة منه إلى انتعاش السوق السوداء في ظل القتال الدائر وغياب الدولة.
كل صباح يصحو المواطن اليمني على حقائق جديدة كانعدام سلعة حيوية جديدة وافتقار الخدمات الأساسية وشلل تام في الحركة.
إذ لم يعد أغلب اليمنيين يعرفون ما يجري في بلدهم، حيث لا طاقة من أي نوع لتشغيل شاشات التلفزيون، أو حتى هواتفهم.
ويؤكد مختصون اقتصاديون أن الوضع المنفلت في البلاد، دفع بعض التجار إلى تكديس الغذاء، وإشاعة الهلع لدى الناس باحتمال عدمه نتيجة الحصار المفروض على موانئ البلاد، والغرض التلاعب بالأسعار في استغلال بشع لحاجة الناس.
ورغم بقاء العاصمة صنعاء خارج حلقة القتال على الأرض، إلا أنها محظوظة بالقياس إلى عدن والحوطة والضالع والمكلا، وتعز وإب فسكانها أقل عرضة للقتل بالنيران، من دون نفي احتمالات تضورهم جوعاً وتخبطهم في الظلام.
كذلك تشهد بقية المحافظات اليمنية، حرباً من نوع آخر، إنها حرب الحصول على 50 كيلو جراما من الطحين وأسطوانة غاز، أما الحديث عن الحصول على مشتقات نفطية فيبدو ذلك حلما صعب المنال، كما تؤكد الوقائع اليومية.
لكن الأمر الأهم هو اختفاء الدقيق نهائياً ليزدهر في السوق السوداء بسعر مضاعف، حتى إن سعر الكيس القمح وصل إلى 50 دولارا.
وبحسب تقرير منظمة الأمم المتحدة "فاو" فإن ما يقرب من 11 مليون يمني مهددون بانعدام الأمن الغذائي أي الجوع.
فيما يتوقع مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي اليمني أن يزيد عدد المواطنين اليمنيين الذين هم في حاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة إلى أكثر من 12 مليون مواطن. وهو رقم يتجاوز نصف عدد سكان اليمن البالغ عددهم تقريبا 25 مليون "23 مليون نسمة في آخر تعداد سكاني عام 2004".
كما حذر المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك من أن الاحتياطي الغذائي في اليمن يكفي لثلاثة أو أربعة أشهر فقط.
جملة التحذيرات والوقائع أشاعت مخاوف اليمنيين، من احتمال شح الغذاء، وانتعاش السوق السوداء.
وبحسب بيان الغرفة التجارية والصناعية في صنعاء، أكدت تعطل الأسواق التجارية وتوقف حركة الاستيراد بسبب ما سمته الحصار المفروض على موانئ البلاد، ما دفع بأسعار المواد الغذائية إلى الارتفاع بنحو (4 إلى 5) أضعاف أسعارها الرسمية.
بيان الغرفة التجارية يتناقض مع بيان نشرته في 30 آذار (مارس) الماضي وأكدت فيه أن مخزون البلاد من المواد الغذائية الأساسية يكفي لتلبية احتياجات ستة أشهر مقبلة في جميع المحافظات.
لكن مصدرا مسؤولا رفض الإفصاح عن اسمه أكد تخصيص ميليشيات الحوثي كميات كبيرة من المواد الاستهلاكية والغذائية لما سمته "المجهود الحربي" ما ضاعف من الأزمة، وانعدام المواد من الأسواق.
#2#
وفي تصريح لـ "الاقتصادية" أكد مصدر مسؤول في الغرفة التجارية أن هناك حرصا كبيرا على استمرار استيراد المواد الغذائية الأساسية، مشيرا إلى أن هناك تنسيقا بين الغرفة التجارية والاتحاد العام والجهات المعنية لوضع آليات تسهل إدخال البضائع من الموانئ.
ويتجاوز معدل الفقر في اليمن نسبة 60 في المائة لمن يعيشون على أقل من دولارين في اليوم طبقا لأرقام منظمات عاملة في المجال الإنساني وفي دولة تعد من أفقر بلدان المنطقة العربية، وظلت طوال السنوات العشرات الأخيرة تعاني أزمات سياسية وأمنية مختلفة.
وترى منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة أن سوء التغذية المزمنة في اليمن، الذي يطول نحو 48 في المائة من السكان في 2014، من شأنه أن يزيد من صعوبة الوضع ومأساويته.
ووجهت الأمم المتحدة الجمعة الماضي نداء لتوفير دعم مالي عاجل لتلبية الاحتياجات الإنسانية لنحو 7.5 مليون شخص في اليمن خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، في ظل احتدام القتال في البلاد.
وقالت الأمم المتحدة إنها تحتاج إلى 273.7 مليون دولار لتلبية احتياجات اليمن، مشيرة إلى أن الجزء الأكبر منها وهو 144.5 مليون دولار يهدف إلى توفير الأمن الغذائي لنحو 2.6 مليون شخص.
واضطر نحو 100 ألف شخص للنزوح، بعد سيطرة ميليشيات الحوثي على بعض المحافظات الشمالية وفرض سلطة الأمر الواقع، مجبرة السلطة الشرعية والرئيس هادي على الفرار إلى عدن، جنوبي البلاد، لإدارة شؤون الدولة منذ 21 شباط (فبراير) الماضي، قبل أن يزحف مقاتلو الجماعة، المدعومون من إيران والقوات الموالية للرئيس المخلوع، باتجاه المدينة، ويضاعفوا من حركة النزوح الداخلية للسكان في كل من إب ولحج والضالع وعدن.
أزمة وقود تعطل الحركة
انعدام المشتقات النفطية واحتكارها من قبل التجار ضاعف من تدهور الوضع في اليمن وفاقم من معاناة اليمنيين، كما عطل حركة السير بشكل غير مسبوق، فيما توجه أصابع الاتهام إلى الميليشيات الحوثية والموالين للرئيس السابق بمصادرة مادتي البنزين والديزل من الأسواق والاستحواذ عليها، لمواصلة الحروب في البلاد.
ففي صنعاء أغلقت عشرات المحطات، وباتت حركة السير شبه متوقفة.
غياب المستلزمات الصحية
احتياجات اليمن الصحية هي أيضا تتزايد بشكل مخيف في ظل استمرار الصراع الدائر، وحسب بيان منظمة الصحة العالمية فإن اليمن يحتاج إلى أكثر من 25 مليون دولار لتلبية احتياجاته الصحية.
ففي عدن جنوبي اليمن أفاد لـ"الاقتصادية" مصدر طبي بأن الحاجة ماسة إلى المستلزمات الإسعافية والأدوية، مؤكدا أن ثلاجات الموتى في مستشفيات المدينة مليئة بالضحايا المجهولين والمدنيين الذين لا يستطيع ذووهم الوصول إليهم لتسلم جثثهم، بل إن بعض الجثث ظل ملقى في الطرقات لعدة أيام لعدم قدرة الأطقم الإسعافية على الوصول إليه نتيجة استهدافها من القناصين، التابعين لميليشيات الحوثي وقوات الرئيس المخلوع.
وأكد المصدر الطبي في اتصال مع "الاقتصادية"، وجود عجز كبير في توفير المستلزمات الطبية، مناشدا المنظمات الإنسانية بسرعة تقديم المعونات الطبية لمواجهة هذا العجز.
وكان ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن أحمد شادول، قد أكد في البيان الصادر عن منظمة الصحة العالمية أخيرا أن "الاحتياجات الصحية لليمن تزداد يوماً بعد يوم، وبعض المرافق الصحية والبنى التحتية للصرف الصحي دُمرت، ويهدد انقطاع الكهرباء والنقص الحاد في الوقود جهود توفير الخدمات الصحية المنقذة للحياة". على حد تعبيره.
من جانبها، وجهت الأمم المتحدة الجمعة 17 نيسان (أبريل) نداء قالت فيه: "تواجه المرافق العامة التي توفر المياه لنحو مليون شخص خطر انهيار حقيقيا.
المستشفيات مكتظة بالضحايا ومنهم ضحايا مباشرون للعنف وآخرون يعانون حروقا بالغة من جراء الانفجارات".
وأضاف البيان أن المنشآت الصحية أبلغت عن 767 حالة وفاة بين 19 آذار (مارس) و13 نيسان (أبريل)، وهو عدد قد يكون أقل من العدد الفعلي، كما أشار إلى أن نحو 150 ألف شخص نزحوا عن ديارهم وهو ما يزيد بنسبة 50 في المائة على تقديرات الأمم المتحدة السابقة.
وقال يوهان فإن در كلاف منسق العمليات الإنسانية في اليمن في البيان ذاته، إن "العائلات تجد صعوبة بالغة في الحصول على الرعاية الصحية والماء والغذاء والوقود والمتطلبات الأساسية لبقائها على قيد الحياة".
تعز .. وضع مخيف
في تعز يبدو أن الوضع الإنساني سيكون مأساويا بشكل كارثي يفوق ما حصل في عدن والضالع ومدن يمنية أخرى.
وبحسب الصحافي زكريا الكمالي – أحد سكان المدينة ـــ فإن نصف أفران المحافظة أغلقت بسبب عدم توافر الدقيق والوقود وما تبقى ترتص أمامها طوابير لم تعرفها المدينة من قبل. كما لوحظ اختفاء "الماء" وبات الحصول على "دبة ماء" بمنزلة الحصول على "دبة بترول".
واعتبر الكمالي اختفاء الخضراوات والسلع الأساسية من الأسواق مع انعدام الكهرباء، والوقود ما يجعل الوضع كارثيا ومخيفا.
عدن .. قلب المأساة
أدت الاشتباكات الجارية بين المقاومة الشعبية وقوات الرئيس المخلوع المسنودة بميليشيات الحوثيين إلى انقطاع المياه في معظم أحياء المدينة، وكذلك انقطاع تام للكهرباء.
كما أن المواجهات دفعت المواطنين المقتدرين مالياً إلى مضاعفة الطلب على المواد الغذائية، خوفاً من اختفائها من السوق، ما أسهم في ارتفاع الأسعار، ونفاد المواد الأساسية من الأسواق.
بينما عجز محدودو الدخل الذين يعتمدون على الرواتب التقاعدية والمساعدات الشهرية وموظفو القطاعين العام والخاص، عن تسلمهم مرتباتهم بسبب اندلاع الأحداث بالتزامن مع نهاية الشهر الأمر الذي فاقم من معاناتهم ويجدون صعوبة في توفير غذائهم واحتياجاتهم.
وتبدو الحاجة ماسة إلى توفير مساعدات غذائية للأسر المتضررة من القتال، إضافة إلى الأسر الفقيرة التي لم تستطع توفير تموين غذائي، حيث تشير تقديرات حقوقية إلى أن ما لا يقل عن عشرة آلاف أسرة في عدن في حاجة سريعة إلى مساعدة بالمواد الغذائية الأساسية.
وقد تعهد رجل الأعمال والتاجر رشاد هائل سعيد أنعم بتوفير احتياجات المواطنين من المواد الغذائية والاستهلاكية في محافظة عدن.
وقال هائل إن الأفران ستزود بالدقيق، حيث تغطي احتياجات المواطنين في عدن.
جاء ذلك خلال اجتماع عقده مع نايف البكري وكيل محافظة عدن نهاية الأسبوع الماضي وبحضور عدد من التجار.