عسكريون دوليون: عاصفة الحزم «عملية جراحية بأشعة الليزر»
تقترب "عاصفة الحزم" من شهرها الأول، وسط إشادة دولية بنجاح "العاصفة" في تحقيق الجزء الأكبر من أهدافها الاستراتيجية، بخسائر تقارب الصفر في صفوف قوات التحالف، وبتدمير شبه كامل للمخزون التسليحي لقوات الحوثيين، ولقوات الجيش اليمني المنشقة على الشرعية.
"عاصفة الحزم" التي انطلقت بعد دقائق من بيان خليجي مشترك جمع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين والكويت وقطر، أعلن فيه استجابة الخليج العربي لنداء الرئيس اليمني الشرعي عبد ربه منصور هادي بحماية شعبه من ميليشيات الحوثي، نالت تقديرا ملحوظا من مختصين عسكريين دوليين، ووصف بعضهم عمليات القصف السعودي "بعملية جراحية بالليزر" في إشارة إلى الدقة الشديدة للطيارين السعوديين في استهداف تجمعات الحوثيين وقوات الرئيس المعزول علي عبد الله صالح وابنه أحمد، ومخازن السلاح التابعة لهم
ومنذ انطلقت العملية والمختصون العسكريون والاقتصاديون الدوليون يتابعون بدقة مجريات سيرها عسكريا من جانب وتداعياتها الاقتصادية من جانب آخر. فالمعركة تعد وفقا لتقديرات بعض المختصين العسكريين نافذة مباشرة للتعرف على القدرات والإمكانيات العسكرية السعودية، كما أنها تسمح باستكشاف نجاعة عمليات التحديث الدائمة لتطوير الكفاءة القتالية للقوات السعودية وتحديدا سلاح الطيران، أما على الجانب الاقتصادي فإن المسارات الاقتصادية لأبعاد الحرب شديدة التداخل على المستويات المحلية أو الإقليمية أو الدولية.
"الاقتصادية" استطلعت آراء بعض من المختصين العسكريين والمحللين الاقتصاديين والاستراتيجيين بشأن رؤيتهم لمسار القتال، وتقييمهم له بعد قرابة شهر من بدء القصف على مواقع الحوثيين، وتقديرهم للتبعات العسكرية والاقتصادية له.
المختص العسكري والكولونيل السابق في سلاح الجو البريطاني اليكس سول، يرصد عددا من الملاحظات العسكرية على "عاصفة الحزم" ويعتبر أن التقييم النهائي لمسار المعركة، سيسفر حتما عن مجموعة من الدروس المستفادة في مجال أداء الطيارين في سلاح الجو السعودي، يمكن تضمينها في مناهج التدريس العسكري في المعاهد والأكاديميات العسكرية.
ولـ "الاقتصادية" يعلق قائلا "الدرس الأول الذي تمكن ملاحظته هو انخفاض أعداد القتلى من المدنيين بشكل ملحوظ، فكافة التقارير الدولية المحايدة، ووكالات الأنباء ووسائل الإعلام أشادت بدقة الطيارين السعوديين في إصابة الأهداف، وهذا جراء المزج بين العامل التكنولوجي المتطور والتدريب المكثف والدائم، فبالمقارنة على سبيل المثال بأداء المقاتلات الأمريكية في أفغانستان والعراق، سنجد أن نسبة إصابة المدنيين في "عاصفة الحزم" تكاد لا تذكر، وأعتقد أن سلاح الجو السعودي لديه تعليمات مشددة من القيادة السياسية والعسكرية بإعلاء الجانب الإنساني والحفاظ على أرواح المدنيين اليمنيين، على الجانب العسكري، حتى إن أدى ذلك إلى تأجيل إصابة الهدف العسكري لمرحلة لاحقة، وربما يعود ذلك إلى شعور الملك سلمان بن عبدالعزيز ووزير الدفاع بمسؤوليتهم الأخلاقية والقيادية للحفاظ على أرواح اليمنيين، وامتلاك نظرة أبعد بضرورة الحفاظ على الروابط مع الشعب اليمني باعتباره شعبا عربيا مسلما وجارا للمملكة العربية السعودية، إضافة إلى روابط النسب والمصاهرة العربية، وهذا كان غائبا تماما في الحالة الأمريكية في العراق وقبلها أفغانستان".
ويضيف "الدرس الثاني أن الطبيعة العسكرية لـ "عاصفة الحزم" تكشف تعويل السعودية على تصدي المقاومة الشعبية اليمنية للتدخل الإيراني عبر الحوثيين، ولا تعتبر الرياض نفسها أو قدرتها العسكرية بديلا عن الشعب اليمني ومقاومته، إنما ترمي إلى مساعدة المقاومة الشعبية على التحرر من الرغبات الإيرانية في توسيع نفوذها في اليمن، وهذه معادلة عسكرية صعبة ومعقدة للغاية، وهي تكشف عن حنكة سياسية وذكاء واضح لوزير الدفاع والقيادة العسكرية السعودية، لأن الخط الفاصل بين تقديم السعودية المساعدة لليمنيين وأن تكون بديلا عن اليمنيين خط رفيع للغاية، وتجاوزه يضع الجميع في موقف حرج".
الميجر ديفيد واليكر محلل عسكري، وضابط سابق في سلاح المدفعية البريطاني، وسبق له تقديم خدمات استشارية لعدد من الدول الخليجية، يعتبر أن توقيت وسرعة الرد السعودي على التمدد الحوثي، كان أسرع حتى من توقعات أصدقاء المملكة أنفسهم ناهيك عن خصومها. لكن الأهم بالنسبة له هو أن الرياض أربكت الخصوم بإصرارها على الوصول إلى نهاية المدى، ورفضها المساومة على أمنها القومي، ولـ "الاقتصادية" يعلق قائلا "من الواضح أن "عاصفة الحزم" مثلت مفاجأة ليس فقط للحوثيين أو الرئيس المعزول علي عبدالله صالح، بل مثلت مفاجأة كبرى لطهران، وهنا نرصد نقطتين استراتيجيتين عسكريتين، الأولى تتمثل في سرعة الاستجابة السعودية لطلب الرئيس هادي بالمساعدة، ونجاح الرياض عسكريا ودبلوماسيا في حشد تحالف إقليمي ودولي للتصدي للتمدد الإيراني في جنوب شبه الجزيرة العربية، لكن في نظري الجانب الآخر والأكثر أهمية، هو سوء تقدير خصوم الرياض للمدى الذي يمكن أن تسير فيه المملكة لحماية أمنها القومي، فالخصوم توقعوا ألا يتجاوز الأمر عددا محدودا من الطلعات الجوية، وعمليات قصف أولية، لكن المفاجأة كانت في إصرار العسكرية السعودية على أداء المهمة المكلفة بها من القيادة السياسية حتى النهاية، وهذا هو السبب في إشارات الاستغاثة التي يرسلها الحوثيون، وطرح إيران بعض الأفكار للحل تتفق مع مصالحها وليس مصالح اليمن. إلا أن الرياض تواصل العمليات العسكرية، وهذا يعني أن المملكة تصر على إرسال رسالة حاسمة للجميع مفادها "الأمن القومي السعودي لا يقبل المساومة".
ويضيف "يلاحظ أن القصف الدقيق لمراكز تجمع الحوثي والفرق العسكرية الموالية للرئيس صالح وكذلك تدمير مخازن الأسلحة والسيطرة على المجال الجوي اليمني تماما، ونجاح البحرية السعودية والدول الحليفة لها في منع إيران من إمداد الحوثيين بالسلاح، أضعف بشدة من القدرات العسكرية لخصوم الشعب اليمني، ودعم جهود المقاومة وهو ما برز في الأيام الأخيرة بتغيير موازين القوى لصالح المقاومة الشعبية في عدن وتعز". المختص الاستراتيجي أندروا كاتيس يعتبر أن "عاصفة الحزم" وعلى الرغم من أنها تبدو في المشهد الإعلامي عمليات قصف مكثف بالطيران لمعاقل الحوثيين، وعلى قوات الجيش اليمني الخارجة على الشرعية، إلا أن التحليل الدقيق لها يكشف عن مشاركة جميع أفرع القوات المسلحة السعودية في المهام القتالية المكلف بها. وحول ذلك يعلق لـ "الاقتصادية" قائلا "لا شك أن العملية تكشف عن تبني العسكرية السعودية المفاهيم الاستراتيجية والتكتيكية القتالية الحديثة كافة. فالتنسيق التام بين القصف الجوي من جانب والحصار البحري للموانئ اليمنية من جانب آخر بالتزامن مع عمليات قصف مدفعي من داخل الأراضي السعودية لمنع الحوثيين من تجميع صفوفهم أو القيام بعمليات تسلل، وترافق ذلك المجهود العسكري مع عمليات المقاومة الشعبية اليمنية، يكشف عن فهم سعودي تام ليس فقط لأرض المعركة، وهذه خطوة أساسية في أي عملية عسكرية، بل يبرهن على حالة من التنسيق التام للمهارات والإمكانيات المتاحة للمقاتل السعودي، وهذه لا شك حصيلة التدريب المتواصل والإمكانيات التكنولوجية الحديثة".
ومع هذا فان أندروا كاتيس يخشى من أن يؤدي استغلال الميليشيات الحوثية للمدنيين، وصعوبة التفريق أحيانا بين المقاتلين التابعين للحوثي والمدنيين، وحرص الرياض على عدم إيقاع أي إصابة في صفوف المدنيين اليمنيين، إلى امتلاك الطرف الحوثي أحيانا القدرة على المباغتة، وللتصدي لذلك يدعو كاتيس إلى تكثيف "الجهد الاستخباراتي السعودي على الأرض، وليس فقط عبر الأقمار الاصطناعية، وإنما بمساعدة بشرية تهدف إلى جمع معلومات دقيقة،" ويعتبر كاتيس ذلك عنصرا أساسيا في مسؤوليات المقاومة الشعبية، عبر إمدادها الرياض بمعلومات عن تحركات الحوثيين للاندماج بين المدنيين، واستخدامهم غطاء لشن هجمات مباغتة على الأراضي السعودية، سيكون هدفها الأساسي إحداث ضجيج إعلامي، أكثر منه عنصرا فاعلا في الصراع.
الدكتور إيان ديرك أستاذ مادة التجارة الدولية في جامعة برمنجهام يعتبر أن "عاصفة الحزم" وبعكس التوقعات التي سادت الأسواق الدولية، لم تترك تأثيرا اقتصاديا عكسيا على المنظومة المحلية أو الإقليمية أو الدولية. ولـ "الاقتصادية" يعلق قائلا "لم يرصد أي رد فعل سلبي عنيف على الاقتصاد السعودي جراء العمليات العسكرية، بل على العكس فقد ظهر الاقتصاد السعودي في حالة من الاستقرار الملحوظ، ولربما يأتي إعلان هيئة السوق المالية السعودية، اعتماد جدول زمني يسمح بمقتضاه للمؤسسات الأجنبية بالتداول بشكل مباشر في سوق الأسهم السعودية اعتبارا من 15 يونيو المقبل، دليلا على استقرار المنظومة الاقتصادية السعودية، على الرغم من تواصل العمليات العسكرية، وثانيا يؤكد إدراك الرياض أن كبرى المؤسسات الاستثمارية العالمية، تنوي الاستثمار في الأسواق السعودية، ما يعد مؤشرا على ثقة دولية بصلابة الاقتصاد السعودي رغم "عاصفة الحزم".
الدكتور ديفيد استيورت المحاضر السابق في جامعة ليدز يعتبر أن عدم تأثر إمدادات النفط العالمي ليس فقط في مجال الإنتاج بل الأكثر دلالة من وجهة نظره أن عدم تأثير "عاصفة الحزم" في العمليات الملاحية في جنوب البحر الأحمر وباب المندب مثل ضامنا أساسيا لاستقرار أسواق النفط.