«تويتر» .. عش «داعش» المفضل

«تويتر» .. عش «داعش» المفضل
«تويتر» .. عش «داعش» المفضل

في السنوات الأخيرة يكاد لا يخلو بيان من بيانات الداخلية السعودية من ذكر لوسائل التواصل الاجتماعي بالعموم و"تويتر" على وجه الخصوص. بيانات محملة بكثير من التفاصيل. ولعل اللافت في بيان الداخلية يوم أمس تحديدا، إثر إلقائها القبض على الإرهابي نواف العنزي، تحديدها لمعرفات تويترية استخدمها إرهابيون تابعون للخلايا التي تم القبض عليها أخيرا.
هذا التعاطي من قبل الداخلية يؤكد من جهة على شفافية إعلامية من قبل الوزارة، كما يؤكد أيضا على تصاعد خطورة هذا الموقع في استهداف الشباب السعودي وتجنيده. فليس يخفى على أي مراقب للجماعات الإرهابية. إن هذه الجماعات بمن فيها "داعش" على وجه الخصوص قد انتقلت مع "تويتر" إلى مرحلة من الإرهاب الحديث يطلق عليها بعض المختصين مرحلة "الجيل الثالث" لهذه التنظيمات الإرهابية.
فالمتأمل لأعمار هؤلاء الشباب يعلم أنهم لم يسبق لهم الذهاب لأفغانستان أو العراق أو غيرهما من مواطن القتال والتجنيد التي تنشط فيها مثل هذه الجماعات. وبالتالي نحن أمام جيل ثالث يجند بالكامل، فكريا وماديا، من خلال "تويتر"، كما أشارت لذلك كثير من البيانات السابقة للداخلية التي كانت قد حذرت من معرفات وهمية تدار من خارج السعودية، أعدادها بمئات الآلاف، في حين من يديرونها حقيقة أشخاص وجهات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، كل ما يعنيها، استهداف أمن السعودية وتحريض شبابها، تحت كثير من الذرائع التي قد تبدأ من إثارة قضايا خدمية عابرة إلى قضايا عقدية جدلية، أكبر وأعمق من أن يكون مكانها جدالا عابرا وسريعا من خلال تغريدات تويترية لا تتعدى مائة وعشرين حرفا. ولكن هذا العش الصغير قد لا يكون ملائما للغرّ الحائر، والباحث عن المعرفة والحق. ولكنه بالتأكيد ملائم جدا لمن يريد فقط زرع الشك والفتنة بين أبناء الشعب الواحد أو بين الشعب وقيادته.
ولهذه الميزة يمكن إضافة الكثير من المزايا الفنية والاجتماعية التي بدأ يدركها أرباب هذا الجيل الثالث من التنظيمات المتطرفة. فكانت سببا لتفوق هذا التنظيم الدعائي حتى على صديقه اللدود تنظيم القاعدة، الذي ما يزال في كثير من دعاياته يعتمد على الرسائل الطويلة بينما يكتفي تنظيم "داعش" بالرسائل القصيرة والتسجيلات المروعة للتأكيد على وجوده وحضوره، بالنسبة للمؤيدين الداعمين له، ولبث الرعب في نفوس المناهضين الكارهين.
وكان روبرت هانيجان، مدير مكتب الاتصالات الحكومية البريطانية، إحدى وكالات الاستخبارات البريطانية، قد صرح في وقت سابق لـ"لفاينانشيال تايمز" أن مواقع التواصل الاجتماعي مثل "تويتر" تمثل "الشبكات المفضلة للقيادة والسيطرة" من جانب تنظيم القاعدة و"داعش" وغيرها من المنظمات الإرهابية الأخرى. وقال هانيجان، إن معظم الشركات الأمريكية التي تدير مواقع التواصل الاجتماعي "تنكر الدور الذي تلعبه في تسهيل الإرهاب". وطالب الشركات بالتعاون بصورة أكثر حماسة مع أجهزة الاستخبارات لمراقبة حركة المرور الإلكترونية. أن تستهدف السعودية في أمنها وفي شبابها تحديدا فهذا ليس بالأمر الجديد. ولكن الجديد واللافت هذه المرة انتقال هذا الاستهداف الافتراضي إلى تنظيمات وخلايا سرية، على أرض الواقع، من قبل هذا الجيل الثالث تحديدا. فكثير من المقبوض عليهم سابقا كان لهم أن يوجدوا أو تلقوا تدريباتهم بشكل أو بآخر في مناطق الصراع والنزاع المحيطة بنا. لكن هذه المجموعة بحسب بيان الداخلية الأخير يبدو أنها جندت وبايعت وتدربت ثم هاجمت من خلال "تويتر". وهنا نحن أمام عمل إجرامي متكامل، من تجنيد وتسليح وتفخيخ سيارات، وفرته هذه التقنية ومهدت له، بما يضع الجميع وليس الداخلية وحدها أمام مسؤولية عظيمة. أما لماذا "تويتر" تحديدا؟ فلأنه ليس كغيره من مواقع التواصل الاجتماعي التي تحظى بشيء من الخصوصية الأمنية المنفرة لهذه الجماعات وقيادييها، المسؤولين عن الاستدراج والاستقطاب. فـ"تويتر" عبارة عن "شارع" مفتوح على كل الاحتمالات السيئة والجيدة. هو شارع بالمعنى السيئ للكلمة الذي لا يرتضيها كثير من الأبناء لأبنائهم. وشارع أيضا بالمعنى السياسي للكلمة الذي يمكن من خلاله التأثير، حتى لو بالدعاية الكاذبة، على شريحة رأي عام ليست بالقليلة من العقلاء، فكيف هو الحال مع صغار سن مهزوزين نفسيا وثقافيا، يبحثون عن المغامرة والظهور وتقدير الذات، بغض النظر عن حقيقة الطرق المؤدية إلى ذلك.

الأكثر قراءة