مملكة الشباب الفتيّة .. حازمة في سلمها وفي حربها

مملكة الشباب الفتيّة .. حازمة في سلمها وفي حربها

لطالما عُرفت المملكة العربية السعودية بـ "مملكة الشباب" عطفا على فتوتها العمرية منذ تأسيسها، ونسبة إلى أعداد الشباب فيها مقارنة بكبارها والشيوخ، وهذا ما أكدته الأوامر الملكية الأخيرة، خصوصا فيما يتعلق بمنصبي ولي العهد وولي ولي العهد إضافة إلى منصب وزير الخارجية. إذ ترجل ولي العهد، الأمير مقرن بن عبدالعزيز، طوعا بحكمة الكبار ورؤيتهم البعيدة المدى، لصالح ضخ دماء جديدة وشابة، من الجيل الثاني، في إدارة الحكم السعودي.
مفسحا المجال للأمير محمد بن نايف، صاحب اليد الطولى في مواجهة الإرهاب، ومهندس الحوكمة الإلكترونية، وليا للعهد. ودافعا بأمين الدفاع وأميره، الشاب الحازم محمد بن سلمان، وليا لولي العهد. كما ترجل السياسي، المحنك والخبير، سعود الفيصل، من جهته، تاركا المجال لأحد أنجب طلاب مدرسته الدبلوماسية، سفير المملكة سابقا لدى واشنطن، عادل الجبير. مع بقاء الفيصل مستشارا عضيدا ومراقبا عن كثب، مثلما عهده الجميع، حتى في أشد فترات المرض والنقاهة، محبا لوطنه ومنافحا عنه داخل الوزارة أو خارجها.
إلى ذلك، فإن هذه الحكمة الملكية في إصدار القرارات، وسلاسة تنفيذها من قبل المعنيين، إضافة إلى الروح الشابة، التي بثتها في مفاصل الحكم، تضع قراءات بعض المحللين الغربيين والعرب كما تضع مصداقيتهم على المحك. خصوصا الذين اعتادوا منهم السؤال المكرر عن المملكة، دون غيرها: وماذا بعد؟ ماذا عن الجيل الثاني ومتى؟ وهم الذين ما انفكوا يتوقعون وينظّرون لكثير من الانقسامات والخلافات داخل بيت الحكم السعودي. توقعات قد يبلغ الأمر ببعضها حد التمني، مصورا البعض لنفسه وللآخرين حدوث هذا الخلاف فعلا في دهاليز البيت السعودي. فكانت الأوامر الملكية الأخيرة، وكان توقيتها الحساس، وكان الإخاء والشباب، والتداول السلس، هو ما يحدث دائما، لتظلل الخيبة وجوه البعض، وإن أنكرت ألسنتهم. في حين يُنطِق الإعجاب والإنصاف، ألسنة البعض الآخر.
ولكن هذه الحيرة غير مستغربة، ويمكن تفهمها، من الصديق قبل العدو، إذا ما علمنا تاريخيا أن كثيرا من القوانين الديمقراطية والحقوقية التي ابتكرها الإنسان لم تكن إلا من أجل تداول يسير وآمن للحكم. كما أنها لم تتمخض إلا بعد عقود طويلة وتبعا لدراسات سياسية وأفكار فلسفية أخذت من البشر ما أخذته من جهد مضن وحروب مهلكة، بعضها حروب خارجية والكثير منها أهلية. وكل ذلك حتى يستتب الأمن وتقام للقانون دولة، والأهم من ذلك كله كي تُحقَن الدماء والأنفس، بينما تنعم المملكة، في المقابل، بقيادة واعية لهذه المخاطر، منذ تأسيسها، على يد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، ليتم تداول السلطة وتزكيتها داخل أروقة الحكم، من الكبير للصغير ومن الصغير للكبير، بكل محبة وتقدير.
كما شملت الأوامر الملكية تغييرات وتنقلات وزارية ليست بمستغربة عن قيادات الحكومة الجديدة، بل من غير المستبعد أيضا، بحسب كثير من المراقبين، أن تكون الأخيرة، طالما استمر العمل، وطالما عُقدت المجالس الوزارية المصغرة، التي يمثلها مجلسا الشؤون السياسية والأمنية، والشؤون الاقتصادية والتنمية، بقيادة ولي العهد الجديد وولي ولي العهد.
فقد شهدت الحكومة بهذين المجلسين نقلات نوعية من حيث الأداء والرقابة، وفقا لكثير من المتابعين، حتى ألف المواطنون تسمية هذه القيادة بـ "قيادة الحزم" عطفا على القرار التاريخي بإطلاق "عاصفة الحزم"، الذي لا تزال الدولة في مرحلته الثانية المعروفة بـ "إعادة الأمل"، ومع ذلك لم تتهيب القيادة هذا التوقيت من أجل التغيير، حين شعرت بضرورته، وهذا ما يؤكد بحسب كثير من المراقبين أن "الحزم" ليس قرارا أو مرحلة تنتهي بانتهاء هذه العمليات والمواجهات، ولكنه اختيار ومنهجية لا يمكن التنازل عنها حاضرا أو مستقبلا، لا محليا ولا خارجيا.

الأكثر قراءة