سعود الفيصل عميد الدبلوماسية.. 40 عاما من العطاء عاصر خلالها 4 ملوك
مرت أربعة عقود من الصناعة الدبلوماسية التي رسخها الأمير سعود الفيصل (عميد وزراء الخارجية في العالم) وأصّل جذورها، مهندسا بذلك سياسة متينة، راسما بها مستقبل العلاقات السعودية الدبلوماسية الخارجية مع جميع دول العالم الشقيقة منها والصديقة في أثناء فترة اعتلائه هرم وزارة الخارجية السعودية، ومعاصرا في تلك المدة التاريخية أربعة ملوك تولوا دفة الحكم في هذه البلاد.
تنحى الأمير سعود الفيصل، عن منصبه من على رأس دبلوماسية بلاده التي تتمتع بوزن قل نظيره في العالم الإسلامي، بعد 40 عاما شهدت نزاعات إقليمية متتالية، وتم تعيين سفير المملكة لدى واشنطن عادل الجبير خلفا له، إلا أن الأمير سعود سيظل عضوا في مجلس الوزراء ومشرفا على السياسة الخارجية للمملكة بحسب الأوامر الملكية.
قال عنه أسامة النقلي المتحدث باسم وزارة الخارجية السعودية، إن التاريخ أقوى من أي كلمة تقال في حق الرجل ومواقفه.
وكان للإعلاميين النصيب الأكبر من الحزن على مغادرته المنصب، فقد اعتادوا على مشاهدته خلال المؤتمرات الصحافية بمبنى وزارة الخارجية، وتعودوا على مداعبته لهم وعلى إجابته باللغتين العربية والإنجليزية بالطلاقة نفسها، متذكرين مداعبته الأخيرة لهم خلال مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عندما عرض عليهم أن يسابقوه رغم أنه يسير على عكازه، أو عندما استبدل اسم بشار الأسد بصدام حسين بالخطأ ليقول "كلهم واحد".
من جهته، تمنى الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية الإمارتي من الأمير سعود الفيصل كتابة مذكراته، قائلا إن المنابر الإقليمية والدولية ستفتقده، وإنه يغادر منصبه بسجل يحسد عليه، ولكن سنة الحياة ترجل الفارس.
#2#
ووصفه خالد العمار (كاتب) بأنه كان الجيش المجهول بالسعودية على غرار الجندي المجهول الموجود، متمنيا أن يأتي يوم ويقرأ مذكراته.
ومن جانبها، عنونت "الإيكونوميست" و"واشنطن بوست" و"رويترز" خبرها بتنحي سعود الفيصل بعد 40 عاما، بعد أن خدم بلاده في أزمات كثيرة سواء حرب الخليج أو الأزمة مع أمريكا في 2004 أو الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية، حيث عرف عنه خلاصة الحكمة والفكاهة، مستشهدين بتشبيهة العلاقات السعودية ــ الأمريكية بالزواج الإسلامي الذي يستطيع الزوج الزواج بأخرى في حال رغبته، أو قوله لأمريكا إن تدمير العراق لتغيير الحكم سيحل مشكلة ويصنع خمس مشكلات.
وأشارت الصحيفة إلى أنه بالرغم من أن السياسة الخارجية للسعودية تحدد من قبل الملك، إلا أنه بخبرته لعب دورا كبيرا باستجابة السعودية للأزمات في الشرق الأوسط منذ تعيينه في 1975، حيث سيترك إرثا كبيرا من العمل على من سيخلفه، لأن العالم العربي في حالة مشكلات أكثر من قبل، مع الحرب الأهلية في سورية والعراق والفوضى باليمن وليبيا والانتقال السياسي غير المستقر في مصر.
وتفاعل حساب السفارة الألمانية في السعودية مع الخبر بنشر خبر افتتاحه مقر السفارة الألمانية الجديد عام 1987 مع نظيره وزير الخارجية الألماني جينشر هانس، كما تفاعل المغردون من الكويت بنشر صوره أيام وقفته بأزمة غزو الكويت، متبادلين صوره في تلك الفترة، وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي، موجة من التعاطف الكبير مع الأمير سعود، وأطاقت أوسام (هاشتاج) متعددة لشكره.
وكتب أحد المغردين "سعود.. لا أملك كلمات توفيك حقك لما قدمت لبلادنا طيلة 40 عاما.. ترجلت أيها الفارس؟ ستبكيك السياسة يا سعود".
أما المغردة لمياء باعشن فكتبت "أحسنت وأخلصت وأنجزت وتفانيت، لقد أتعبت من يأتي بعدك".
عين الأمير سعود وزيرا للخارجية في تشرين الأول (أكتوبر) 1975 بعد سبعة أشهر من اغتيال والده الملك فيصل، ولعب بعد ذلك دورا كبيرا في الجهود التي أفضت إلى وضع حد للحرب اللبنانية (1975 ــ 1990) خصوصا مع التوصل إلى اتفاق الطائف في 1989.
وقاد هذا الدبلوماسي المحنك سياسة السعودية الخارجية إبان الحرب العراقية الإيرانية (1980 ــ 1988) ومع الغزو العراقي للكويت في 1990 وخلال حرب الخليج التي تبعته (1991) وصولا إلى تحرير الكويت، وقد دفع الاقتتال الطائفي في العراق في أعقاب الاجتياح الأمريكي لهذا البلد في 2003، الذي لم تسمح خلاله السعودية للأمريكيين باستخدام أراضيها، إلى توجيه انتقادات علنية لسياسة إدارة الرئيس جورج بوش في المنطقة.
أسهم الأمير سعود الفيصل في إعادة إطلاق مبادرة السلام العربية عام 2007 بعد خمس سنوات على إطلاقها في القمة العربية في بيروت، ولكن الأمير سعود الفيصل كان يميل إلى سياسة الحذر إزاء إسرائيل، فهو يعد أن أي علاقة مع الدولة العبرية يجب أن تكون مرتبطة بحل النزاعات بينها وبين الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين، وذلك على أساس انسحاب كامل من الأراضي من المحتلة.
ولد الأمير سعود في منطقة الطائف عام 1940 وحصل على شهادة في الاقتصاد من جامعة برينستون الأمريكية في 1964، وعمل الأمير سعود بعد ذلك لدى شركة "بترومين" النفطية الحكومية ثم لدى وزارة النفط التي شغل فيها منصب وكيل وزارة اعتبارا من حزيران (يونيو) 1971، متزوج وله ثلاثة أبناء وثلاث بنات.
وبدأت مسيرة الأمير سعود الفيصل في العمل الدبلوماسي في ظروف صعبة، فقد اختاره الملك خالد عقب توليه الحكم وزيرا للخارجية بعد اغتيال والده الملك فيصل بن عبدالعزيز ــ رحمه الله ــ الذي ظل يحتفظ بمنصب وزير الخارجية بعد أن أصبح ملكا عام 1962.
ورغم التاريخ المعقد كان الأمير سعود يعارض علانية غزو العراق عام 2003 ويخشى بفطنته وبصيرته ما قد يحدثه من فوضى تؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة.
وقال في مقابلة مع التلفزيون البريطاني: "إذا كان التغيير سيأتي بتدمير العراق فأنتم تحلون مشكلة وتخلقون خمس مشكلات أخرى".