وزير الخارجية الجديد .. خبرة دبلوماسية طويلة ووعي استراتيجي عميق
لقي الأمر الملكي بتعيين عادل الجبير وزيرا للخارجية، ترحيبا ملحوظا من العاملين في السلك الدبلوماسي الدولي، إضافة إلى عديد من الخبراء الاستراتيجيين، فالوزير الجديد تتجاوز خبرته في المجال الدبلوماسي الـ 30 عاما، ما أتاح له معرفة تفصيلية بالملفات الدولية تتجاوز حدود مشاكل الشرق الأوسط إلى فهم واستيعاب مكثف للمشاكل العالمية، كما سمح له العمل الدائم بين واشنطن ونيويورك بإقامة شبكة كبيرة من العلاقات الدبلوماسية الممتدة حول العالم.
لكن الترحيب بالقرار الملكي السعودي لم يقف عند حدود الدبلوماسية والدبلوماسيين، فقد مثل القرار مفاجأة سارة للأوساط الإعلامية الدولية، فالوزير السعودي عرف بانفتاحه الدائم على وسائل الإعلام، وصداقته لعديد من كبار الصحافيين والإعلامين الدوليين، واعتبر الإعلام العالمي تبوء الجبير منصبه الجديد خطوة على طريق "مواصلة العاهل السعودي ضخ دماء جديدة وشابة في أواصر المؤسسات السعودية".
واعتبر الإعلاميون البريطانيون المتابعون لشؤون الشرق الأوسط أن الجبير خلال توليه منصب سفير المملكة في الولايات المتحدة، مثل علامة فارقة للأداء الدبلوماسي العربي والإسلامي وليس السعودي فقط سواء على المستوى الإعلامي أو الدبلوماسي. فالرجل وكما يصفه "للاقتصادية" الصحافي البريطاني هاري بروكس الذي عمل في واشنطن مراسلا لعدد من الصحف البريطانية والأمريكية "يجمع بين الذكاء الفطري، واللباقة الدبلوماسية، مع فهم عميق للإعلام الحديث وكيفية التعامل معه" ويضيف "الجبير وحتى قبل توليه منصب سفير المملكة في واشنطن، كان أحد أبرز الدبلوماسيين العارفين بكيفية التعامل مع المفاصل الداخلية الأساسية في صياغة القرار الأمريكي، وكيفية التحرك بين اللاعبين الأساسيين في واشنطن، لتحقيق المصالح السعودية والعربية والإسلامية، كما أنه وعلى الرغم من إدراكه التام لأهمية الإعلام، إلا أن لديه حسا فطريا فيما يتعلق بالتوقيت الذي يخاطب فيه الإعلاميين".
ومع هذا فإن المستشار السابق في السفارة البريطانية في واشنطن روبرت باري يعلق "للاقتصادية" على تعيين عادل الجبير وزيرا للخارجية السعودية قائلا "أعتقد أن حجر الأساس في فهم عقلية الجبير هو تمتعه بمقدرة استشرافية ملحوظة لمعرفة مسار الأحداث مستقبلا، مع امتلاكه درجة عالية من المهارات التنظيمية، وفي تقديري إنها خبرات تعود إلى المراحل التعليمية التي مر بها. فسنوات تعلمه الأولى كانت في ألمانيا عندما كان والده يعمل في سفارة المملكة ملحقا ثقافيا، أما سنوات تعلمه النهائية فكانت في أمريكا، حيث نال درجة البكالوريوس والماجستير من أرقى الجامعات هناك، وهذا منحه كفاءة تتجاوز العمل الدبلوماسي إلى فهم نظري عميق بالتطورات الدولية".
وكان وزير الخارجية السعودي الذي ولد في الأول من فبراير في مدينة المجمعة شمال الرياض قد تلقى تعليمه الأساسي في ألمانيا، ثم نال درجة البكالوريوس من جامعة شمال تكساس في الاقتصاد والعلوم السياسية، ثم درجة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة جورج تاون الأمريكية.
وحول الخبرات الدبلوماسية التي يتمتع بها وزير الخارجية السعودي الجديد، وإلى أي مدى يمكن أن تسهم في دعم الدبلوماسية السعودية في المرحلة المقبلة يعلق "للاقتصادية" الخبير الاستراتيجي وأستاذ شؤون الشرق الأوسط في جامعة أكسفورد دان وابستر قائلا "علينا أن نلاحظ ثلاثة عوامل أسهمت في تشكيل الوعي الدبلوماسي لوزير الخارجية السعودي الجديد. أولا دخوله المعترك الدبلوماسي في عمر صغير للغاية، وهو ما يعني تكوين خبرة طويلة ناجمة عن تعرضه للمواقف والتجارب المختلفة، ومشاركته في عديد من التطورات والأحداث المتباينة، يضاف إلى ذلك وكما يقال بالعربية "أنه من أهل الدار" فهو وزير من داخل وزارة الخارجية ذاتها، ومن ثم فهو على إدراك تام لمواطن القوة في الوزارة، والجوانب التي تتطلب التطوير".
ويضيف "العامل الثاني ما يمكن أن نصفه بالمعرفة التفصيلية الناجمة عن عمله الدائم في الولايات المتحدة الأمريكية سواء في أروقة الأمم المتحدة أو في سفارة بلاده في واشنطن، فالعمل في المنظمة الدولية يمنحه خبرة في العمل الدبلوماسي الدولي والعام من خلال معرفته بطبيعة المشاكل الدولية، أما عمله في السفارة السعودية في واشنطن، فيمنحه معرفة تفصيلية بسياسة القوى العظمى تجاه مشاكل الشرق الأوسط.
أما العامل الثالث فوليد العاملين السابقين، وهو طبيعة ونمط العلاقات الشخصية التي شكلها خلال مسيرته الدبلوماسية، وهي تلعب دورا محوريا في العمل والعلاقات الدبلوماسية، فكونه شخصية معروفة على المستوى الدبلوماسي العالمي، وتربطه علاقات صداقة متينة بعديد من المسؤولين في واشنطن، سيمثل عاملا مهما لدعم العمل الدبلوماسي السعودي في المرحلة المقبلة"
وإذا كان وزير الخارجية السعودي قد عين عام 1986 مساعدا لسفير المملكة السابق الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز لشؤون الكونجرس وللشؤون الإعلامية في السفارة، فإن أول بروز إعلامي له بصفته متحدثا باسم السفارة السعودية كان خلال حرب الخليج الثانية، وظل في هذا المنصب حتى عام 1994، عندما انضم إلى وفد المملكة في الأمم المتحدة، لكنه عاد عام 1999 للإشراف على المكتب الإعلامي للسفارة السعودية في واشنطن، وهو ما يرسم ملامح علاقة خاصة تربط الرجل بالعمل الإعلامي
وفي هذا السياق يعلق الملحق الثقافي السابق للسفارة البريطانية في واشنطن على أداء الجبير الإعلامي قائلا "بصفة عامة هناك نظرة تقليدية تقوم على ضرورة الحذر الدائم من قبل العاملين في المجال الدبلوماسي عند تعاملهم مع الإعلام والإعلاميين، تحسبا لما قد ينجم عن تصريحاتهم من ردود فعل دبلوماسية وسياسية، أو أن يساء تأويلها أو تفسيرها، وزير الخارجية السعودي الجديد ليس من أصحاب هذه المدرسة، وإذا كان البعض يرجع ذلك لطلاقته في التحدث باللغة الإنجليزية، ما يمكنه من التفاهم بسهولة وبدقة لا تقبل التأويل عند الإدلاء بتصريح ما، فأنا أعتقد أن الأمر أبعد من ذلك".
ويضيف "الوزير السعودي ومن خلال معرفتي به أثناء عملي في واشنطن، فإنه يجمع بين الفهم الدقيق لطبيعة المصالح الآنية للسعودية في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، مع إدراك عميق للرؤية الاستراتيجية العامة للمملكة وللنظام الدولي، ومن ثم يمكنه ذلك من التعامل بدرجة عالية من الثقة مع الإعلام من جانب، ومع نظرائه الدبلوماسيين من جانب آخر".
وإذا كان وزير الخارجية السعودي وجها مألوفا لوسائل الإعلام الدولية خاصة الإمريكية جراء الدور الإعلامي المميز الذي قام به أثناء حرب الخليج الثانية، فإنه بلاشك لعب دورا إعلاميا ودبلوماسيا مهما خلال "عاصفة الحزم"، وهو ما تجلى في عديد من المؤتمرات الصحافية التي سلطت الضوء على أبعاد "عاصفة الحزم" وشرحت دواعيها وأسبابها بالنسبة للرأي العام الدولي عامة والأمريكي خاصة.
ولكن السؤال الذي يطرحه بعض المعلقين والدبلوماسيين حاليا فإنه ينصب على طبيعة الرؤية الدبلوماسية للرجل، وما ملامح المرحلة المقبلة للسياسة خارجية السعودية في ظل تولي عادل الجبير لها؟
الخبير الاستراتيجي الدكتور كولن مورجن يعتبر أن وزير الخارجية السعودي الجديد سيكون مكتبه مليئا بعديد من الملفات واجب التعامل السريع معها و"للاقتصادية" يعلق قائلا "في اعتقادي أن أحد أبرز الملفات التي سيعمل الوزير الجديد على التصدي لها هي استفحال البيروقراطية داخل أروقة الوزارة السعودية، وسيعمل على ضخ دماء شابة وجديدة للوزارة، لتجديد حيويتها وتطويرها لمواجهة التحديدات الراهنة، فالمعروف عنه أنه دائم الانحياز للقطاعات الشابة، ويسعى للتطوير الدائم وفق الأسس المتفق عليها للعمل الدبلوماسي" ويضيف "أعتقد أن أحجار الزاوية الرئيسة للسياسية الخارجية السعودية وأعني الدفاع عن مصالح المملكة ومواطنيها، الرؤية العربية الإسلامية عند تحرك المملكة خارجيا، الحل العادل والدائم والشامل للقضية الفلسطينية، التصدي للقوى الساعية لتمزيق العالم العربي والإسلامي عن طريق بذر بذور الطائفية، كل هذه القيم لن تتغير، ولكننا سنشاهد تغييرا في كيفية تعامل الخارجية السعودية في التصدي لتلك الملفات، وأعتقد أن الدبلوماسية السعودية ستتصف في المرحلة المقبلة بمزيد من الفاعلية والرشاقة في الأداء مع مزيد من الدفء والانفتاح في علاقاتها بوسائل الإعلام الدولية" ويقول "الدور الذي لعبه الجبير أثناء توليه منصب سفير المملكة في التصدي لجهود إيران التوسيعية في المنطقة العربية، كانت عاملا مهما في استهدافه عبر محاولة اغتيال إيرانية، ولهذا أعتقد أن الملف الإيراني، والبؤر التي تمولها طهران في العالم العربي، ستكون الملف الأكثر بروزا في توجهات الوزير السعودي الجديد في المرحلة المقبلة".