الاستقرار المجتمعي ما بين «التسامح الديني» و«الانتماء الوطني»

فجع القاصي والداني على أرض الوطن بما حدث في "القديح" بمحافظة القطيف يوم الجمعة الماضي، وقضى فيه أبرياء لا ذنب لهم. إنها جريمة شنعاء تُنكرها الأديان السماوية السمحة، وترفضها القيم الإنسانية النبيلة، مأساة مؤلمة، تخيلوا أن يذهب أحدنا لصلاة الجمعة ليجد نفسه بين دماء وأشلاء الأحباب والأقارب والجيران! ومع كثرة التحليلات السياسية، فإن المنطق والعقل يشيران إلى تفسير واحد لا ثاني له، ألا وهو أن هذا الحادث محاولة مغرضة لزرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، الذي استطاع بتماسكه أن يرفض العنف ويتجاوز مراحل تاريخية صعبة. ولكن يبقى السؤال المفتوح: من وراء هذا الحادث الدنيء؟
لا شك أن معرفة المدبر لهذا الحادث الأليم يساعد في حماية المجتمع من تكراره مرة أخرى، ولكن الأهم والأنجع لقطع دابر الفتنة هو الوقوف صفاً واحداً لحماية الوطن وتبني منهج الاعتدال والتسامح الديني، فلا إفراط وتطرف في اتجاه منهجي "داعش" و"طالبان" التكفيريين، ولا تفريط بالدين وقيمه في الاتجاه المقابل، فكلا الأمرين لا يخدمان الدين في شيء، ولا يؤديان إلى استتباب الأمن والاستقرار، ولا يُسهمان في بناء مجتمع إسلامي عصري فاعل ومحصن أمام التفكك الأسري والضياع. كم نحن في حاجة إلى تطبيق مبادئ الدين الإسلامي السمحة، دون غلو وتشدد، ودون تهاون وتسيب يفقد الدين هيبته وفاعليته في تنظيم المجتمعات الإسلامية، فالإسلام صالح لكل زمان ومكان، ما يعني ألا نفرض فهمنا الشخصي أو الطائفي للدين على المسلمين الآخرين، فالدين الإسلامي للجميع ومناسب لكل الأعراق والأجناس والبلدان وأنماط الحياة سواء في الهند أو الصين أو أمريكا أو الدول العربية.
والتشدد المذهبي لا يجلب الأمن والاستقرار وازدهار البلدان، بل يفكك الأوطان، ويؤدي إلى هجرة العقول إلى الخارج، ومن ثم يعرقل التنمية، ويجلب التخلف، ولنا في العراق الجريح مثالاً قريباً. ولكن من اللافت للنظر أن الإرهاب لم ينحسر رغم الجهود الدولية والمؤتمرات والندوات. وهنا تبرز تساؤلات مهمة: أين الخلل؟ وما أسباب هذا التطرف الديني؟ وكيف العلاج؟ وكيف رأب الصدع بين السنة والشيعة لحماية المجتمعات الإسلامية من الاستغلال الخارجي؟ وكيف يمكن تعزيز التعايش والقبول بالآخر؟
لابد من تعزيز مفاهيم "المواطنة" و"الوطنية"، فجميع المواطنين سواسية أمام النظام، ولهم جميع الحقوق وعليهم جميع الواجبات للوطن. وهذا يتطلب أن ندرك مفاهيم مهمة مثل العمل على التعايش والقبول بالاختلاف بين مكونات الوطن الواحد. وهذا ما أكد عليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – يحفظه الله - خلال استقباله رئيس هيئة حقوق الإنسان في كلمته التي جاء فيها: "إن أنظمة الدولة تتكامل في صيانة الحقوق وتحقيق العدل وكفالة حرية التعبير والتصدي لأسباب التفرقة ودواعيها وعدم التمييز، فلا فرق بين مواطن وآخر ولا بين منطقة وأخرى، فأبناء الوطن متساوون في الحقوق والواجبات". إذا فالتسامح الديني شرط لتعزيز الانتماء الوطني، والانتماء الوطني شرط للاستقرار والازدهار. أدعو الله أن يحفظ الوطن من كل سوء، وأن ينشر السلام والأمن في أرجاء المعمورة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي