«داعش» ابتكار إيراني نواته «القاعدة» .. ودور طهران في «القديح» غير مستبعد

«داعش» ابتكار إيراني نواته «القاعدة» .. ودور طهران في «القديح» غير مستبعد

قد يأخذ البعض العلاقة بين تفجير القديح الأخير في محافظة القطيف السعودية وإيران، على محمل المؤامرة، خصوصا، بعد التعرف على شخص المنفذ الإرهابي ومن شاركوه، ومع ذلك تظل المقاربة بين هذا الفعل الإجرامي وإيران موجودة من منطلق التهديدات المباشرة الأخيرة لرموز النظام الإيراني إثر "عاصفة الحزم"، ومن منطلق العلاقة المريبة بين تنظيم داعش، الذي أعلن هؤلاء الإرهابيون ولاءهم له وإيران. فكيف يمكن تفكيك هذه العلاقة وقراءتها؟

إيران تنقذ "القاعدة"
أثبتت إيران منذ انطلاق ثورتها برعاية حكم الملالي، أنها قادرة على جمع كل المتناقضات السياسية والاجتماعية طالما في ذلك خدمة لأطماع ثورتها التوسعية. وما أثبتته الأيام والتقارير من رعايتها لجماعات إرهابية، متنوعة مذهبيا، من القاعدة في أفغانستان إلى حزب الله في لبنان، خير مثال على مجمل هذه التناقضات، ولكنه هو أيضا ما يلبث أن يزول إذا علمنا أن كل هذه الميليشيات والجماعات يجمعها التطرف والطائفية، لنفهم هنا تلاقي المصالح ووحدتها، بين هذه الجماعات وحكم يقوم ويتغذى على استمرار هذه الطائفية ونعراتها.
تاريخ مطول من العدوان الإيراني ضد المصالح السعودية بدأ منذ ثورة الملالي في إيران ومحاولتهم تصدير هذه الثورة وتصدر العالم الإسلامي فكان من الطبيعي أن يكون الغريم الأول والأساسي هو المملكة العربية السعودية التي أكرمها الله برعاية الحرمين لتكون في الصدارة ومحط أنظار وقلوب العالم الإسلامي دون أن تتكلف القيام بأي ثورات أو مخططات أو مؤامرات.
تاريخيا، استبعاد الدور الإيراني في تفجير القديح يذكرنا باستبعاد هذا الدور في تفجير "أبراج الخبر" في حزيران (يونيو) 1996، الذي أسفر عن مقتل 19 جنديا أمريكيا وعدد من المدنيين السعوديين في حديقة مجاورة، وعن جرح 372 أمريكيا آخر. فعلى الرغم من أن الطرف المسؤول عن الهجوم لم يكن واضحا في البداية، وذهبت كل التوقعات والتحليلات لتحمل "القاعدة" مسؤولية الحادث إلا أن "مكتب التحقيقات الفيدرالي" الأمريكي استنتج في النهاية أن إيران هي التي خططت لذلك التفجير ونظمته ورعته بينما نفذته عناصر من "حزب الله" السعودي، ما أدى إلى توجيه اتهامات من السلطات الفيدرالية الأمريكية ضد 13 عضوا من "حزب الله" السعودي وأحد عناصر "حزب الله" اللبناني المجهولين.
وفي السياق ذاته فإن اتهام حزب الله السعودي لا يعني تبرئة القاعدة ولكنه يؤكد الدور الإيراني في العملية مضافا إليه معلومات استخباراتية كثيرة توالت حول رعاية إيران للقاعدة واستضافتها لكثير من رموزها ولعائلات رموزها بمن فيهم أسرة أسامة بن لادن نفسه، بعد أن كانت على وشك الزوال، ناهيك عن معلومات تؤكد علاقة إيران بإخفاء أيمن الظواهري وعلاقته بها لهذه اللحظة.

وحدة مشتركة للاغتيالات
بداية علاقة القاعدة بإيران لا يمكن تحديدها على وجه الدقة إلا أنها وصلت لذروتها، بحسب مراقبين، إبان مطاردة القاعدة ورموزها في أفغانستان وباكستان، حيث قدمت إيران حينها المأوى والمساعدة. لتتلاقى المصالح الإرهابية، التي من أجلها شكلت إيران منذ نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات قوات خاصة لاستهداف الدول والأشخاص الذين يعارضون سياساتها التوسعية.
فإضافة إلى الميليشيات المسلحة التي رعتها ومولتها إيران في بلدان متعددة بدءا بحزب الله في لبنان وليس انتهاء بأنصار الله في اليمن للحرب عنها بالوكالة، هناك "قوة القدس" ذات العلاقة المباشرة بالحرس الإيراني الثوري التي أنشأت وحدة متخصصة بـ "العمليات الخارجية الخاصة" معروفة باسم "الوحدة 400" تنحصر مهمتها على تنفيذ أنواع معينة من الهجمات، التي تستهدف في المقام الأول دبلوماسيين ومسؤولين. إضافة إلى التنسيق والتحالف مع جماعات مسلحة كالقاعدة وغيرها لتنفيذ عمليات خاصة تستهدف المدنيين، خدمة لمشاريعها التوسعية. فحتى الحرب الإلكترونية دخلت سياق المنافسة في هذه المرحلة أيضا، إذ إنه في آب (أغسطس) 2012 تعرضت شركة النفط السعودية "أرامكو" لهجوم إلكتروني نسبته الاستخبارات الأمريكية إلى إيران، ووصفه وزير الدفاع آنذاك ليون بانيتا بأنه "تصعيد كبير للتهديد الإلكتروني".

إيران تبتكر "داعش"
إلى ذلك، فإن علاقة القاعدة بإيران لم تعد محل شك، ولكن ظهور لاعب إرهابي جديد كتنظيم داعش هو ما يثير كثير من الأسئلة حول مستقبل علاقة ايران بالقاعدة من جهة وعلاقتها بـ"داعش" من جهة أخرى. ولكن هذه الأسئلة ما تلبث أن تتلاشى حين نعلم أن "داعش" ابتكار إيراني نواته القاعدة.
تظهر وثائق سرية كشف عنها النقاب أن الهيكل التنظيمي لـ"داعش" كان دوما مطابقا للهيكل التنظيمي الذي وضعه مؤسسو القاعدة في التسعينيات. وقد كان التأثير الرئيسي للعناصر البعثية العراقية المشكوك حيال قيامها بتأسيس هذا التنظيم هو تعزيز قدرة تنظيم داعش على شن عمليات عسكرية على نطاق واسع. فقد زادوا من قدرة التنظيم على تنفيذ رؤية القاعدة، وأسهموا في جعل التنظيم أكثر تشددا وقوة عما كانت عليه القاعدة على الإطلاق. وفقا لمقال كتبه أخيرا، بنيامين بهني وباتريك جونستون. بعنوان: من الذي يدير تنظيم داعش؟
وبحسب هذا التقرير وغيره يفهم أن تنظيم داعش ليس تنظيما جديدا يختلف عن القاعدة ولكنه امتداد للقاعدة وتحول في مسارها العملياتي فقط مع تشابه كبير في الأهداف الإرهابية الإجرامية. أو بمعنى آخر هو حالة انقلاب من داخل تنظيم القاعدة ذاته. وهنا يرجح دور إيراني أيضا. أسهم في هذا الانقلاب بعد اختراق القاعدة. وهذا ما يشرح كثيرا من التواطؤ غير المفهوم، والتنسيق العالي، بين "داعش" وإيران على مستوى كثير من التحركات الميدانية. التي تصب في مصلحة نظام الأسد من جهة. وإحكام سيطرة إيران على الداخل العراقي من جهة أخرى.
وبالعودة للشأن السعودي، وتحديدا، تفجير القديح، فإذا استدعينا حادثة الخبر السابق ذكرها واستبدلنا اليوم القاعدة بـ"داعش" التي ليست في الحقيقة سوى صورة عنها مع سيطرة وتوجيه أكبر من قبل قيادات الحرس الثوري الإيراني، إضافة لنوع المتفجرات المستخدمة والمماثل لذلك الذي سبق وحاولت مجموعة تهريبه عبر جسر الملك فهد، أمكننا الوصول لاحتمال شبه أكيد حول دور إيراني يقبع خلف هذه الجماعات المختلفة ظاهرا، والمتشابهة هدفا، التي توفر لإيران غاية ما تأمله من حيث تضليل صغار السن وتجنيدهم، مع اختلاف طوائفهم ومذاهبهم. ثم تنفيذ عمليات المقصود منها إثارة الطائفية واستمرارها بين أبناء الوطن الواحد. إذ إن هذه الطائفية وما ينتج عنها من كوارث ومخاوف شعبية سببان كافيان لاستمرار حكم الملالي وتحكمهم على أساس مذهبي ضيق، خارج إيران وداخلها.

الأكثر قراءة