يوهان كرويف .. عبقري اخترع كرة القدم الحديثة

يوهان كرويف .. عبقري اخترع كرة القدم الحديثة

في عام 1981، عاد اللاعب الهولندي المُتقاعد، يوهان كرويف، فجأة إلى الملاعب مرة أخرى، للعب مع فريق أياكس أمستردام. كنتُ طفلاً يبلغ من العمر 12 عاماً، مهووسا بكرة القدم وأعيش في بلدة هولندية صغيرة، وكرويف أصبح بطلي. ليس فقط لأنه كان لاعب كرة قدم رائعا، له تمريرات مثيرة للدهشة من الطرف الخارجي لحذائه حتى إن كاميرات التلفزيون في ذلك الوقت كانت في بعض الأحيان تفقد مسار الكرة. الأكثر من ذلك، أن كرويف كان مُفكّرا لامعا فيما يتعلق بكرة القدم.
كان يقول "إن أهم شيء في كرة القدم هو التمرير". بإمكان كرويف - وغالباً ما فعل - قضاء ساعات في تحليل التمريرات، بجمل ملتوية مليئة بالأخطاء النحوية، وبلهجة الطبقة العاملة في أمستردام في الخمسينيات، عادةً أثناء التدخين بشكل مستمر. في عام 1988، أصبح مديراً لنادي برشلونة (حيث لعب سابقاً) وهناك علم اللاعبين المحليين كيفيه تمرير الكرة. اليوم، كرويف يبلغ من العمر 68 عاماً، ولم يعد مدخنا، بلا روح وشبه مُتقاعد. لكن عندما يشاهد برشلونة مع أي فريق آخر، بإمكانه أن يتأمل بارتياح أنه اخترع الطريقة التي يلعب بها الفريق الكتالوني. في الواقع، كرويف اخترع كرة القدم الحديثة.
ولد في شرق أمستردام عام 1947، وبدأ يتسكع حول ملعب أياكس المحلي عندما كان طفلاً. وفي سن 17 عاما كان لاعبا في الفريق الأول. حينها كان رينوس ميشيلز مدربا حديث عهد بتدريب أياكس وكانت لديه سيارة مستعملة، ماركة سكودا، يركنها عادة بجانب المعلب. معاً - بينما كانا يتشاجران في كثير من الأحيان – أحدث كرويف وميشيلز ثورة في كرة القدم. كان هناك طفل آخر من الحي نفسه يراقب جلسات التدريب من خط الملعب؛ لويس فان جال. هو أيضاً انضم إلى نادي أياكس، لكن لأنه بالكاد كان يستطيع الجري، فلم يتجاوز مقاعد الاحتياط. الرفض لا يزال مؤلماً. فان جال، الذي هو الآن مدير نادي مانشستر يونايتد، ليس على وفاق مع كرويف. لكن، رؤاهما تكاد تكون متطابقة: أن كرة القدم هي دوامة جماعية متداخلة، بلمسة واحدة وبأعلى وتيرة.
أوضح كرويف هذا بشكل أفضل في برنامج تلفزيوني في الثمانينيات، حين قارن كرة القدم بالباليه. في البداية، لم تكُن لديه أي رغبة في الجدال مع مصمم رقصات الباليه، رودي فان دانتزيج، لكنه سرعان ما دخل في جدال معه. بينما كان يتحدث مع فان دانتزيج عن كيف يجب أن يتحرك اللاعب الثالث، عندما يمرر اللاعب الأول الكرة للاعب الثاني، لتستلم تمريرة اللاعب الثاني، قاطعه فان دانتزيج قائلاً "إذن هذا نوع من حركات الرقص؟". أجاب كرويف "بالضبط!". كرة القدم الخاصة بكرويف هي رقصة من أجل المساحة. كان يغلب على البريطانيين الاعتقاد أن كرة القدم تدور حول قوة الإرادة، والبرازيليون راهنوا على الدحرجة، والألمان على اللياقة، لكن جميعهم كانوا مُخطئين وكرويف كان على صواب.
ملاحظة: بإمكاني أن قول هذا بدون عاطفة، لأن كرويف لم يعُد بطلي. في عام 2000، تصدقت عليّ صحيفة بريطانية، بالنيابة عنه، من أجل أن أجري مقابلة معه في قصره في برشلونة. أجريتُ المقابلة. وبعد بضعة أشهر كتبتُ مقالة ثانية، بطلب من مجلة أدبية هولندية، لقاء أجر زهيد، عن تجربة لقاء بطلي منذ الطفولة. كرويف كان غاضباً: شعر أنه ينبغي لي الدفع مرتين. وسائل الإعلام الداعمة لكرويف في هولندا شوهت سمعتي. إذا حصل أي شخص على تجربة أسوأ من ذلك مع بطله منذ الطفولة، لا أطيق الانتظار حتى أسمعها.
بغض النظر عن ذلك: في برشلونة، قام كرويف بتحويل أكاديمية النادي، لا ماسيا، إلى "جامعة التمرير". للتمرير، أو منع الفريق الآخر من التمرير، أنت بحاجة إلى معرفة أين يجب أن تكون بالضبط. اللاعب العادي كان يحصل على الكرة لمدة دقيقة في كل مباراة، لذلك وظيفته الرئيسية كانت وضع نفسه في المكان المناسب من أجل الدقائق الـ 89 الأخرى. كان كرويف يقول "كرة القدم هي لعبة تلعبها بدماغك". ليونيل ميسي، لاعب برشلونة، هو عبقري بالفطرة لكن، مثل عديد من زملائه في الفريق، تشكّل من خلال الصباحات التي لا تُحصى من لعب مباريات التموضع، على غرار أكاديمية لا ماسيا القائمة على تعاليم كرويف.
كذلك كان جوسيب جوارديولا، الفتى النحيل الذي أخذه كرويف من أكاديمية لا ماسيا ووضعه في الفريق الأول. في وقت لاحق، جوارديولا أصبح ثاني أفضل مدرب في نادي برشلونة. وبعد ذلك زرع رؤية كرويف في نادي بايرن ميونيخ. قال جوارديولا "كرويف قام ببناء الكاتدرائية. ووظيفتنا هي الحفاظ عليها وتجديدها".
كذلك هناك من يتبع تقاليد كرويف، وهو المدرب الحالي لنادي برشلونة، لويس إنريكي. فقد انضم إلى النادي لاعبا في عام 1996. جذبه كرويف قبل أن يتم طرد المدرب الهولندي بعد شجاره المُتكرر مع رئيس النادي. (بعد طرده، طرد كرويف العاملين في مكتبه). الشخص الذي يتبع تعاليم كرويف الأكثر إثارة للدهشة هو خوسيه مورينيو، مُساعد فان جال في نادي برشلونة في أواخر التسعينيات. مورينيو استوعب وجهة نظر كرويف عن كرة القدم باعتبارها رقصة من أجل المساحة. لكن بينما كان كرويف مهووساً بخلق المساحة، فإن تخصص مورينيو هو إغلاق مساحة الفريق المُنافس.
حتى المنتخب الألماني الذي فاز العام الماضي ببطولة كأس العالم كان يملك تأثيرات عميقة من تعاليم كرويف وفان جال. حارس مرمى النادي الألماني، مانويل نوير، الذي كانت له تمريرات في البطولة أكثر مما فعل ميسي، يُجسّد حارس المرمى الذي حلم به كرويف في الستينيات: لاعب كرة قدم يرتدي قفازات.
الآن لم يعُد له دور في نادي برشلونة. وبعض تمريراته الجانبية تنتشر في ناديه القديم الآخر، أياكس، بنجاح محدود. ولم يعمل بدوام كامل منذ عام 1996، ومثل عديد من المتقاعدين، توقف عن التفكير الجاد. لكن يمكن مسامحته. لأن الرجل الأكثر إثارة للاهتمام في كرة القدم ما بعد الحرب يملك إرثا لا مثيل له.

الأكثر قراءة