الاستدامة المالية .. التحدي القادم للمنظمات الخيرية

عندما نتحدث عن الاستدامة المالية فإن أول ما يقفز إلى الذهن هو الوقف. حسنا الوقف مهم ولكنه ليس كل ما يعنيه مفهوم الاستدامة المالية في القطاع الخيري! فحتى مع امتلاك أوقاف فإن أمام المنظمة الخيرية تحديان كبيران، أولهما أنها تعمل لصالح مجتمعات متنامية الحاجات، وثانيهما أنها تعيش في قطاع تنافسي يبحث القديم فيه والجديد عن حصته من الكعكة. تكمن أهمية الحديث عن الاستدامة المالية في أن أغلبية المنظمات الخيرية تعتمد على مصادر دعم مالية خارجية كالحكومات والمؤسسات المانحة والتجار، وهذه مصادر رغم سخائها إلا أنها غير أكيدة على المدى البعيد.
تعرف الاستدامة المالية Financial Sustainability على أنها الحالة المالية التي تكون فيها المنظمة الخيرية قادرة على الاستمرار في تحقيق رسالتها الخيرية على المدى الطويل، ومن هنا تتضح أهمية الاستدامة المالية باعتبارها شرطا لبقاء المنظمة الخيرية ذاتها وقدرتها على إحداث التغيير المنشود في المستهدف على أرض الواقع، فالمال عصب حياة المنظمة الخيرية وشريانها النابض. ومع أن الاستدامة المالية شرط لاستدامة المنظمة الخيرية بشكل عام إلا أن المنظمة الخيرية مطالبة بالتوازن بين تحقيق الملاءة المالية وتحقيق الرسالة الخيرية، وهذا حقا أحد التحديات أمام المنظمة الخيرية، فالانشغال في تعزيز المكانة المالية للمنظمة يجب ألا يكون على حساب تحقيق الرسالة الخيرية التي من أجلها تأسست المنظمة والعكس صحيح. ولذلك فإن قيادات المنظمات الخيرية ومديريها التنفيذيين مدعوون إلى تبني نموذج استراتيجي يدمج بين كفاءة الأداء المالي والرأسمالي لمنظماتهم.
وعلى أهمية مفهوم الاستدامة المالية إلا أنها في الحقيقة مجرد نتيجة لامتلاك المنظمة الخيرية لما يسمى القدرة المالية Financial Capacity ومفهوم القدرة المالية يتضمن امتلاك المنظمة الخيرية للأدوات التي تعطيها القدرة على التوسع في الفرص السانحة والتعامل مع المخاطر غير المتوقعة وفي الوقت ذاته إدارة عملياتها المعتادة. وللقدرة المالية عدة مظاهر داخلية ومظاهر خارجية، ومن علامات القدرة المالية الداخلية أن تمتلك المنظمة مصادر توليد الدخل Income Generation كالأوقاف والاستثمارات وبيع السلع والخدمات والعضوية وغيرها. ومن علامات القدرة المالية الخارجية أن تكون مصادر الدعم للمنظمة مصادر متنوعة. ويرى خبراء متخصصون أن 60 في المائة من ميزانية المنظمة الخيرية يجب أن تأتي من خمسة مصادر مختلفة على الأقل كأحد المؤشرات على الصحة المالية للمنظمة الخيرية Financial Health.
والقدرة المالية تمتد لتتجاوز الأدوات المالية المذكورة آنفا إلى أدوات غير مالية ومن ذلك امتلاك المنظمة الخيرية للمعرفة التسويقية MarketingKnowhow، إذ لا يمكن الفصل بين الاستدامة المالية والتسويق. فلكي تكون المنظمة الخيرية قادرة على استقطاب متبرعين أسخياء والاحتفاظ بهم وتنميتهم من متبرعين إلى مناصرين فإن عليها أن تمتلك مستوى مرتفعا من المعرفة والقدرة التسويقية. ومن الأدوات غير المالية للاستدامة المالية حجم وعمق اندماج المنظمة في المجتمع، فكلما تشعبت جذور المنظمة في المجتمع كانت أكثر قدرة على بناء قاعدة دعم عريضة وثابتة في صورة متبرعين ومتطوعين.
والحقيقة أن الوصول إلى حالة الاستدامة المالية طريق طويل إذ إن له بعدا تشغيليا يتغلغل في الأعمال اليومية للمنظمة وآخر استراتيجيا يلتصق بالأهداف البعيدة، ويتطلب أن تكون للمنظمة خطة مالية تعمل بالتوازي مع الخطة الاستراتيجية، وأن تظهر قيادة المنظمة الخيرية مستوى مرتفعا من الاهتمام والالتزام، وأن تتجاوز المنظمة الخيرية الأساليب التقليدية في التسويق وجمع التبرعات.
وإذا ما أردنا أن نرسم معادلة رياضية مختصرة للاستدامة المالية فسوف تكون على النحو التالي:
الاستدامة المالية = مصادر توليد دخل داخلية + مصادر دعم خارجية متنوعة.
فاصلة: الاستدامة المالية لا تعني الاكتفاء الذاتي، فالمنظمة الخيرية شجرة في المجتمع يأكل ثمارها المحتاجون ويروي جذورها المتبرعون وحاجة المتبرعين لا تقل عن حاجة المحتاجين إليها!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي