قمة سعودية - أمريكية .. و التوقيت المدروس
قمة سعودية - أمريكية يستضيفها البيت الأبيض اليوم في واشنطن بعد تأجيل سعودي سابق. في وقت لا يختلف كثيرا من حيث الظروف الإقليمية المضطربة عربيا. ولكنه يختلف تماما في توقيته المدروس من حيث الترتيبات الدبلوماسية والعسكرية التي لم تهدأ، والتي خطت فيها القيادة السعودية الجديدة خطوات رائدة ومتقدمة، سواء فيما يتعلق بالعمليات العسكرية في اليمن، أو بالتنسيق السياسي الخليجي - الخليجي أو الخليجي ـ العربي أو حتى الدولي مع دولة مهمة مثل روسيا الاتحادية وغيرها من الدول.
###زيارات مهمة
ملفات مهمة تم تداولها والعمل عليها من خلال زيارات رفيعة المستوى لنائب خادم الحرمين الأمير محمد بن نايف ولولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بدءا من قمة كامب ديفيد وليس انتهاء بزيارة روسيا. تخلل ذلك ولا يزال زيارات متواترة ومستمرة لوزير خارجية المملكة عادل الجبير.
ومن هنا تأتي أهمية توقيت هذه الزيارة، الذي اختارته القيادة السعودية بعناية واضحة. إضافة إلى الأهمية المستمدة من حضور خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز على رأس وفد رفيع المستوى ومتنوع حكوميا، تأكيدا على علاقة تاريخية ثابتة بين الدولتين منذ ثلاثينيات القرن الماضي. وتأكيدا على تنوع هذه العلاقة في كل المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية. بعكس ما تروج له بعض الدعايات المضللة حين تحصر هذه العلاقة الندية بين البلدين في تعاملات الطاقة فقط.
#2#
وبالعودة إلى التوقيت الذكي لهذه الزيارة، فإنه يعكس بدوره أيضا هذه العلاقة الندية؛ إذ يأتي بعد تقدم عسكري إيجابي في مساعدة اليمن الشقيق وشرعيته إثر قرار عربي مشترك ومتفرد بإطلاق "عاصفة الحزم". كما أنه يأتي بعد زيارات ثنائية شرقا وغربا تروم تنويع التعاون العسكري والاقتصادي السعودي، فكانت الرسائل السياسية والدبلوماسية من قبل السعودية واضحة للجميع بمن فيهم واشنطن، مؤكدة الدرس السياسي الأول: "في السياسة ليس هناك عدو دائم، كما أنه أيضا ليس هناك صديق أو حليف دائم".
###علاقة مؤسسات
وتبقى للمصالح المشتركة دورها طالما لم تؤثر في المبادئ والثوابت المنهجية للسياسة العامة للدولة، وهو ما يحفظ لكثير من العلاقات السياسية ديمومتها برغم ما قد يعتريها من تباين في الآراء والتوجهات. وهو ما تدركه الرياض جيدا، بحسب مراقبين خصوصا في عهد إدارة الرئيس أوباما، المتذبذبة بطبعها. فحفظت المملكة الود لعلاقة تاريخية مهمة للطرفين عمرها أكثر من 80 عاما. علاقة سياسية عقلانية تتعدى الأفراد؛ إذ إن محورها المؤسسات بأنواعها العسكرية والمدنية.
وزيارة الملك سلمان الرجل الأول في الدولة السعودية تأتي اليوم؛ لتؤكد هذه المبادئ السعودية الثابتة فيما يتعلق بالتزاماتها الثقافية تجاه أصدقائها أدبيا. كما أنها تأتي عمليا ودبلوماسيا لتتم وتتابع، وفقا لمحللين سياسيين، ما وضعته قمة "كامب ديفيد" في أيار(مايو) الفائت من اتفاقيات سياسية. إضافة لما قد تحمله الزيارة من توقيعات بين مسؤولين معنيين في أمور خدماتية أخرى متنوعة.
###أمن المنطقة
تدخلات إيران وعبثها في المنطقة وأمنها عن طريق الميليشيات التابعة لها هو ما يشغل بال السعودية وليس اتفاقها النووي مع الغرب. هذا ما تؤكده التصريحات الرسمية السعودية من وقت لآخر. بما فيها مخاطبات واتصالات جرت أخيرا بين الملك سلمان والرئيس أوباما. وهو ما تدعو السعودية لوقفه ووضع حد له، وهو ما اعترف به الرئيس أوباما في تصريح سبق زيارة الملك عما أسماه "أدوات غير مشروعة" تستخدمها إيران في المنطقة.
#3#
من جهته، يتفهم بن رودس مستشار أوباما للأمن القومي طبيعة التخوف غير المباشر من اتفاق نووي إيراني بقوله "نحن نتفهم أن لدى السعودية مخاوف بشأن ما قد تفعله إيران مع استفادة اقتصادها من رفع العقوبات". وأضاف أن الولايات المتحدة تعتقد أن إيران ستستخدم الكثير من أصولها التي سيرفع عنها التجميد بمقتضى الاتفاق -الذي تم التوصل إليه في تموز (يوليو)، الذي يفرض أيضا قيودا على برنامج طهران النووي- لتحسين اقتصادها المنهك.
###"أنشطة شريرة"
كما اعترف رودس بأن هناك مخاطر لأن تنفق طهران تلك الأموال على "أنشطة شريرة". لكنه قال إن أوباما سيوضح للملك سلمان في زيارته أن الولايات المتحدة ستفعل "كل شيء يمكننا القيام به" للتصدي لأي تهديدات إيرانية لجيرانها.
ومن هنا فإن تصرفات إيران قد تكون محور حديث رئيسا لهذه القمة مقارنة بغيرها من الملفات ليس لقلق سعودي مباشر. فقد أثبتت السعودية بمساعدتها القوية والفاعلة لشرعية اليمن قدرتها السياسية والعسكرية على صد أي تدخل مباشر يمس حدودها. ولكن من باب ثقل السعودية إقليميا ودوليا، ومن باب اهتمامها والتزامها تجاه المنطقة، ولوقف هذه "الأنشطة الشريرة" التي تدرك الرياض ارتباطها بكل الملفات والأزمات الأخرى؛ إذ لا تكاد تخلو منطقة عربية من تبعاتها سواء في العراق أو سورية أو لبنان. فضلا عما يظهر من وقت لآخر من "خلايا إيرانية" تحاول المساس بأمن الجارتين الكويت والبحرين.
يبقى من تتبع هذه التداعيات والتحركات الفاعلة والمهمة من جهة المعنيين في المملكة بقيادة الملك سلمان. و"الشريرة" من جهة تصرفات إيران وأتباعها في المنطقة أن الكرة الآن في ملعب الإدارة الأمريكية، التي لم يتبق لها زمنيا الكثير، فهل يفعلها أوباما؟