التكلفة الاقتصادية للإرهاب

بعد الأحداث المروعة في باريس، التي أودت بحياة أكثر من 140 شخصا من الأبرياء، نلاحظ اختلاط الأوراق والبيانات والآراء، فكل يدلو بدلوه من وجهة نظره، وفي النهاية يصبح التباعد "divergence" سيد الموقف.
وكان من البديهي أن تقفز لذاكرتنا أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ونبدأ المقارنة بين ما حدث آنذاك وهذا الأسبوع، فنعود لنظرية المؤامرة، وتبدأ المواقف الهجومية والدفاعية وتختلط الحقيقة بالخرافة والبيانات بالإشاعات.
وأستعرض بعض الحقائق الاقتصادية المرتبطة بالإرهاب، فوفقا لبلومبرغ فقد كانت الخسائر الناجمة عن الحركات الإرهابية عام 2014 قد قاربت 53 مليار دولار متجاوزة خسائر أحداث 11 سبتمبر.
ويمكن للقارئ الكريم الاطلاع على "مؤشر الإرهاب العالمي"Global Institute For Economics الذي يصدرهTerrorism Index And Peace منذ عام 1997. ويلاحظ أن البيانات تأخذ في الاعتبار قيمة الأصول الثابتة المدمرة مثل المباني وقيمة الخسائر البشرية (علاج وإسعاف وتنقيب عن الضحايا) لكنها لا تحتسب قيمة القوى الأمنية المستخدمة ولا بوالص التأمين على الممتلكات بعد وقوع الحوادث.
وبالطبع هذه الخسائر تتفاوت في القيمة والمقدار حسب طبيعة المكان والظروف خاصة الخسائر البشرية، فحتى الكائن البشري له قيمة يمكن حسابها رقميا مثل الثروة أو الإسهام العلمي والفكري للمؤسسات والجامعات والأجيال. ورغم أن ارتفاع وتيرة الإرهاب أصبح مكررا في نشرات الأخبار حتى يكاد لا يحرك ساكنا في نفوسنا، إلا أن آثاره التدميرية تطول كل شيء. فحركة النقل والمواصلات وهي عصب الحياة والاقتصاد يصيبها شلل شبه تام من الطرق إلى خطوط الطيران حتى المشاة في الشارع. تتوقف المدارس والأعمال حتى المستشفيات تبدأ بالعمل تحت ظروف الطوارئ وتتعطل المصالح التجارية وحركة البيع والشراء ناهيك عن أسواق الأسهم والمال وما يصيبها. ومن أكثر القطاعات حساسية للحركات الإرهابية قطاع السياحة والترفيه، فيعزف المستثمرون عن الدخول في أي صفقات عقارية أو سياحية في المنطقة المصابة. عندما وقعت الجريمة البشعة منذ أسبوعين في شرم الشيخ وتم إسقاط الطائرة الروسية وعلى متنها ركاب أبرياء من جنسيات مختلفة وأطفال، صعق العالم ولم يفسر هذا كعمل إرهابي بداية لكن تبعاته طالت القطاع السياحي المصري، وستترك آثارا واضحة في أرقام الميزانية السنوية للناتج المحلي لتلك المنطقة. ولأن الجماعات الإرهابية تصفي حساباتها بطريقتها الشريرة المدمرة، إلا أن استئصالها يتطلب تلاحما دوليا.
المشكلة الفعلية تكمن في عدم الاتفاق على أن الأخطاء مشتركة، فنجد أمريكا تلوم النظام السوري والمنهج الجهادي، ثم نجد المغردين يشيرون إلى نظرية المؤامرة دون الاعتراف بالفكر التكفيري المتطرف بينهم، ثم تأتي روسيا للتملص من دعمها للنظام السوري المجرم وأوروبا تستقبل اللاجئين فتعاني تبعات ذلك، وهكذا تختلط الأوراق ويصبح من الصعب تشخيص المشكلة، لكن وطأة الإرهاب باتت تفرض على المجتمع الدولي مواجهة لا تسمح للأوراق بأن تختلط!

=

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي