الخميس, 1 مايو 2025 | 3 ذو القَعْدةِ 1446


تصحيح المفاهيم المائية (3) –الماء العسر والطفل الأزرق

تحدثنا في الأسبوع الفائت عن الفلورايد, واليوم نكمل الحديث عن الأملاح الموجودة في المياه المعلبة وضرورة أو خطورة كل عنصر.
أول هذه العناصر الموجودة على غلاف أي مياه معبأة هو الكالسيوم والمغنسيوم. معا في المائة يشكلان ما اصطلح على تسميته بالعسر الكلي (Hardness) – علميا المصطلح يشمل عناصر أخرى كالحديد والباريوم لكن يتم تجاهلهما لتركيزهما القليل في الماء- فما هو العسر الكلي؟ التسمية ليست علمية تماما إنما تاريخية ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية وذلك عندما لاحظت ربات البيوت صعوبة غسيل الملابس بماء معين. كان هذا الماء يحتوي على كميات عالية من الكالسيوم والمغنسيوم اللذين كانا يعطلان عملية تكون رغوة الصابون ولهذا سمي هذا الماء بالعسر (Hard Water). علميا لا يوجد رقم معين لتحديد درجة عسر الماء لكن أي ماء يحتوي على أكثر من 150 ملغ لكل لتر يعتبر عسرا. لكن لماذا يستمر تحديد العسر الكلي في الماء إلى الآن, فصعوبة الغسيل ليست بذات أهمية. الواقع إن السبب يعود إلى (شكوك) في وجود علاقة عكسية بين عسر الماء – تركيز الكالسيوم والمغنسيوم- وبين الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية (Cardiovascular Diseases). عموما لم تثبت هذه العلاقة علميا إلى الآن ولا يزال سبب وجودها أيضا مجهولا. البعض يعزو العلاقة إلى أن الماء قليل العسر يؤدي إلى تآكل أنابيب الماء (Corrosive) ما يؤدي إلى إذابة المواد الخطرة المكونة للأنابيب-كالليثيوم والكروم- في الماء مسببا هذه الأمراض. وعليه فإن هذا تحليل ليس له علاقة بالكالسيوم أو المغنسيوم أصلا. هذه العلاقة بوجود المرض لم تجد آذانا صاغية لدى علماء آخرين لسبب بسيط آخر وهو أن الماء يوفر 10 في المائة فقط من احتياجات الجسم للكالسيوم والمغنسيوم في حين تأتي البقية من الغذاء. التحدي الأكبر للماء العسر هو ليس صحيا إنما في تكون الترسبات الملحية في الأجهزة المنزلية وهي ما تلاحظ في الغلايات والغسالات وصنابير المياه.
عنصر آخر نجده على أغلفة المياه المعبأة هو النترات (Nitrate). حاجة الجسم إلى النترات في حدود 20 ملغ للبالغين, كما هو الحال مع أغلب العناصر في الماء فإن حاجة الجسم من النترات يتم سدها من خلال الغذاء وليس الماء. الأطعمة الغنية بالنترات هي في الغالب خضراوات مثل الخس والملوخية والكرفس. النترات بحد ذاتها عنصر غير ضار للجسم. الخطورة تكمن عند تحولها إلى النيتريت (Nitrite). يحدث هذا بنسبة بسيطة في أجسام البالغين, إنما وبسبب القلوية العالية في بطونهم, فإن النترات تتحول عند الأطفال إلى النيتريت بنسبة 100 في المائة. خطورة النيتريت تتمثل في جزأين اثنين: الأول (إمكانية) تكوينه لمواد مسرطنة والثاني دوره في تقليل نسبة الهيموجلوبين في الدم. كما هو معروف يقوم الهيموجلوبين بنقل الأكسجين في الدم إلى خلايا الجسم المختلفة خاصة الدماغ الذي يستهلك ربع الأكسجين تقريبا. عند وجود النيتريت, يتحول –يتأكسد- الهيموجلوبين الفعال إلى الميثيموجلوبين وهو مركب غير قادر على نقل الأكسجين وهنا مكمن الخطورة. عند شرب الأطفال الرضع لماء غني بالنترات فهناك احتمالية تكون النيتريت التي ستقوم بتعطيل الهيموجلوبين وبالتالي تعطل وصول كمية كافية من الأكسجين إلى خلايا الجسم. وعندما تزداد نسبة الميثيموجلوبين إلى 5 في المائة – 10 في المائة (النسبة الطبيعية في الدم أقل من 3 في المائة) تبدأ الأعراض المرضية نتيجة نقص وصول الأكسجين إلى المخ وخلايا الجسم المختلفة وتشمل صعوبة في التنفس وتحول البشرة إلى اللون الأزرق ولهذا يسمى هذا المرض بمرض الطفل الأزرق. ولهذه الأسباب تم تحديد نسبة أعلى مسموح بها لتركيز النترات وهي 45 ملغ لكل لتر ويفضل أن تكون أقل من هذا بكثير في حال الأطفال الرضع.
العنصر الأخير الذي سوف نتحدث عنه على عجالة هو الصوديوم. وهو عنصر أساسي في غذاء الإنسان حيث يقدر استهلاك الإنسان البالغ يوميا بـ1000 ملغ. خبراء الصحة والتغذية لم يتفقوا على رقم معين كحد أعلى لاستهلاك الإنسان من الصوديوم فمنهم من يقترح 2400 ملغ يوميا ومنهم من يستخدم رقما أقل بكثير وهو 500 ملغ للبالغين وأقل من 400 للأطفال. أما سبب الاختلاف فهو وجود تقارير –غير مؤكدة لكنها قوية بما فيه الكفاية- عن وجود علاقة طردية بين استهلاك الصوديوم بشكل عال وارتفاع ضغط الدم. ولهذا تحدد بعض الجهات تركيز الصوديوم في الماء ب 20 ملغ لكل لتر. وكما نرى فإن استهلاك الجسم للصوديوم عن طريق الماء يكاد لا يذكر مقارنة باستهلاكه في الغذاء. ولهذا لا يوجد سقف أعلى للصوديوم في الماء لعدم ثبوت أي خطر على الصحة إنما يقترح التقليل منه لمن يعانون مشكلات ارتفاع ضغط الدم.
أرجو من خلال هذه المقالة والمقالة السابقة عن الفلورايد أن تكون الصورة أكثر وضوحا الآن للقارئ العادي فيما يخص الأملاح الموجودة في المياه المعلبة. باختصار, لا يوجد خطر مباشر لهذه الأملاح عند هذا التركيز القليل إنما ينبغي التأكد من وجود الفلورايد بتركيز في حدود 1 ملغ لكل لتر لأسنان صحية. ولحماية الأجهزة المنزلية –كغسالات الملابس- يستحسن استخدام ماء بتركيز قليل من الكالسيوم والمغنسيوم. أما في حالة شراء ماء لأطفال رضع, فينبغي الحذر من المياه العالية بالنترات. وأخيرا, لمن يعانون ارتفاع ضغط الدم, حاول الحصول على مياه قليلة الصوديوم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي