إيران السجاد والزعفران .. والنظام المعادي للإنسان

إيران السجاد والزعفران .. والنظام المعادي للإنسان

ليس ثمة بلد في العالم يلون الناس بألوان مذاهبهم كما هو الحال في نظام طهران الذي استولى على بلاد ذات حضارة وتاريخ ليحيلها إلى بلاد من العصور الوسطى، متخذا شعار الثورة الدينية ومستعديا الإنسان الإيراني حين يختلف دينيا أو عرقيا عن سياق هذا النظام لتعلق المشانق على روافع البناء ويتجمد الزمن ببلاد السجاد والزعفران ليعيدها متطرفو الملالي لحقب غابرة.
إيران التي صارت بعد ثورتها كما قال الشاعر المديني طلال حمزة الشريف أكبر مصدر للسجاد والزعفران والكراهية وصلت لهذا الأمر أثر مزيج من الهوس والتخبط السياسي كما يشير الدكتور غازي العارضي فيما يفندها الدكتور محمد السلمي دارسا بالقول إن نظام ولاية الفقيه لتفادي الاستحقاقات الداخلية يروج لنظرية تعتمد على بعبع "العدو المتربص" بالبلاد الذي سوف ينّقض عليها إذا لم يتم أخذ الاحتياطات والسبل كافة للتصدي له ودحره بالوسائل كافة، مستخدما البعد المذهبي والبعد العرقي.
وأكد الدكتور غازي غزاي أستاذ كرسي الأمير نايف بن عبد العزيز لدراسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن بدايات التشكل الحالي للسياسة الإيرانية في بعدها المتشدد؛ إذ ظهرت ثورة الخميني في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، ومن حينها يلحظ المراقب مزيجا من الهوس والتخبط السياسي والديني والتاريخي تتميز به السياسة الخارجية الإيرانية فدخلت في تحرش للجارة العراق بإيعاز عملائها من الأحزاب العراقية كحزب الدعوة العراقي وغيره مع التورط في تفجيرات واغتيالات في العراق وخارجه أفضت إلى حرب الخليج الأولى التي استمرت زهاء ثماني سنوات كانت مدمرة لقوى البلدين وأرغمت الخميني في نهاية المطاف إلى قبول الصلح صاغرا.
وأفاد أنه لم تقف السياسات المثيرة للبلبلة، بل طفقت توجه أزلامها ورعاعها إلى محاولة خطف موسم الحج لدعاياتها الفارغة، حيث بلغت أوجها في تفجيري المروة والمعيصم ومظاهرات أواسط الثمانينيات الدموية، وحاولت أن تنشئ حزبها في لبنان ليكون لها ذراعا سياسيا ودعويا وعسكريا داخل الدول العربية، ولم تزل على هذا المنوال التخريبي، وتوسع طموحها، فدشنت حركة دعوية شيعية داخل العالم الإسلامي والعربي سرا وعلانية، واستقدمت مئات الآلاف من الطلاب والطالبات، فأثارت الفتن السياسية والاغتيالات في السنغال وماليزيا والسودان ونيجيريا، وتورطت بإسفاف ودموية وإشعال الحرب المذهبية في سورية والعراق والبحرين، وامتد فسادها إضافة إلى موسم الحج في كل عام بإغراء بعض عملائها بالقيام بالتفجيرات في المنطقة الشرقية بالمملكة.
وأبان الدكتور غازي أنه يتضح دون تكلف فشل هذه الثورة الهمجية وتخلفها ورجعيتها، فلم تستطع أن تقدم للعالم فضلا عن الشعب الإيراني الكريم سوى الفقر والعوز ومشانق الرافعات لكل من يبدي رأيا مخالفا، ويعود إلى العقلية الخرافية التي تمسك بزمام الحكم في طهران؛ إذ ظهرت حكومة ثيوقراطية متعصبة تدفعها أحلام كسراوية، وسط دعم تحالف خفي من أمريكا التي قدمت العراق العربي على طبق من ذهب لها دون أن تخسر إيران رصاصة واحدة، وأطلقت يدها للعبث بأمن المنطقة ابتداء بالعراق إلى دول الخليج واليمن.
ولفت الأستاذ في الجامعة الإسلامية إلى دور الإعلام الإيراني في بث سموم الفرقة والتناحر في المنطقة العربية، إذ يمثل إعلامها ظاهرة صوتية صاخبة معتمدا على استراتيجية الدعاية للعالم العربي، وهي الدعاية التي افتضحت أمام العالم أجمع
وتحاول في هذه الأيام رفع مؤشر الهجوم على السعودية والتدخل السافر في أحكام قضائها وترويج الأكاذيب، والتهجم بوقاحة على السفارة السعودية وقنصليتها في مشهد، ولا شك أننا أمام دولة مارقة لا تحترم أيا من الأعراف ولا حقوق الإنسان.
وتابع: "كنا نتمنى أن يسهم تاريخ الشعب الكريم وحضارته العريقة في بث نهضة حضارية على غرار ما يجري في ماليزيا وتركيا، وأن تحترم أواصر دول الجوار، وتمثل عنصر استقرار وترسيخ للأمن في ربوع المنطقة، لكن الأطماع في توسع النفوذ التي تبدو واضحة عند الطغمة الحاكمة في إيران تحول دون تحقيق ذلك".
من جهته، فند الدكتور محمد بن صقر السلمي المتخصص في الشؤون الإيرانية دعاوى القومية والمذهبية في السياسة الإيرانية، مشيرا إلى أن جغرافية إيران تحظى بالتنوع العرقي الكبير، فهناك العرب والآذريون والأكراد والبلوش واللور والتركمان والفرس والأكراد والقبائل البختيارية والقشقائية ونحو ذلك، وعند التعمق بشكل أكبر نجد أن هناك عنصرا آخر يضاف إلى ذلك وهو التنوع الديني والمذهبي في البلاد، حيث نجد المسلمين من السنة والشيعة الاثنا عشرية والصوفية والشيخية والإسماعيلية وغيرهم، كما أن هناك اليهودية والزرادشتية والمسيحية والبهائية.
وأضاف أنه في ظل هذه التركيبة الفسيفسائية، ترتكز سياسة نظام ولاية الفقيه التي تحكم إيران حاليا على بعدين رئيسين هما البعد القومي والبعد المذهبي، وقد سيطر هذان البعدان على توجهات إيران واستراتيجياتها على المستويين الداخلي والخارجي على حد سواء، وهذان البعدان يتم استخدامهما من قبل نظام ولاية الفقيه في إيران لتفادي الاستحقاقات الداخلية من خلال الترويج لنظرية تعتمد على بعبع "العدو المتربص" بالبلاد الذي سوف ينّقض عليها إذا لم يتم أخذ الاحتياطات والسبل كافة للتصدي له ودحره بالوسائل كافة.
وقال السلمي إنه في البعد القومي، يكون الانتصار في الغالب للعرق الفارسي، حيث تحرم الحكومة الإيرانية أبناء الأقليات العرقية من حقوقهم اللغوية والثقافية والتاريخية ولا تسمح لهم بالدراسة بلغاتهم الأم، كما ينظر إليهم، في الغالب، كمواطنين من الدرجة الثانية، وتطلق النُكت عليهم بسبب ضعف لغتهم الفارسية ولهجتهم المتأثرة بلغتهم الأم.
وأوضح الباحث في الشؤون الإيرانية أهم مؤشرات التباين بين حقوق الأقليات وحقوق الفرس في إيران بمؤشرات عدة أهمها نقص في المياه وسوء الظروف في بلاد واسعة من حيث الرقعة الجغرافية، والمركزية الشديدة في الإدارة السياسية، وتجاهل مشاركة المجموعات العرقية، وتجاهل مطالب واحتياجات الفئات العرقية في أعقاب حركة التحديث، وعدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية بين الفئات العرقية والفرس، وعدم المساواة في التنمية البشرية بين الجماعات العرقية والفرس، التنمية غير المتوازنة وغير المتناسبة في مناطق الأقليات العرقية.
وأكد أنه على الرغم من أن الفرس 48 في المائة من سكان إيران، إلا أنهم يستحوذون على كل المقدرات بينما الآذريون الأتراك 24 في المائة والأكراد 10 في المائة والعرب 4 في المائة.
وأفاد أن إيران تعمد دائما إلى استدعاء التاريخ والجغرافيا بشكل متكرر وممنهج، وفي هذا الجانب، يظهر البعد القومي جليا في السياسة الخارجية للجمهورية الإيرانية، من خلال الحديث عن حدود الإمبراطورية الساسانية التي كتب الفتح الإسلامي العربي آخر صفحاتها في القرن السابع الميلادي، ولأنه لا يوجد في الوقت الراهن امتداد قومي لإيران في الداخل العربي، وكي لا تهمل البعد القومي لأهداف داخلية بحتة، تروج الماكينة الإعلامية الإيرانية لمزاعم أن اليمن وأجزاء من المنطقة العربية كانت تحت مظلة الإمبراطورية الفارسية، وتنبش في المواقع الأثرية عما تقنع به الرأي العام المحلي لتشكل مزاجا قوميا داعما لمشاريع إيران في المنطقة، خاصة أن هذا النظام يدرك جيدا قوة النزعة القومية في الهوية الإيرانية في العصر الحديث.

الأكثر قراءة