بريطانيون: السعودية نجحت في الإجهاز على «القاعدة» بينما فشل الآخرون
ما إن أعلنت المملكة العربية السعودية عن تنفيذ حكم القصاص في 47 إرهابيا، إلا وكان حديث الإعلام البريطاني في جزء كبير منه منصبا على سؤال رئيس: هل الحزم الشديد في تعامل المملكة مع الإرهاب هو السبب في انتصارها في معركتها ضد تنظيم القاعدة، أم أن هناك عوامل أخرى داخلية كامنة في بنية المجتمع السعودي أو خارجية متمثلة في إدراك دولي بأهمية دعم جهود الرياض في مواجهة القاعدة وقيامها بدور حاسم في إنجاح جهود السلطات السعودية في معركتها ضد التنظيم وإضعافه قبل الإجهاز عليه.
"الاقتصادية" توجهت بالسؤال إلى عدد من المختصين والباحثين في شؤون التنظيمات الإرهابية وجماعات العنف السياسي حول أسباب نجاح الرياض في مواجهاتها مع القاعدة.
#2#
أكد وليم مات الباحث في الشؤون الأمنية أن الرياض تفرق بين الحرب على الإرهاب والمعركة مع القاعدة، مضيفا أنه بالنسبة للاستراتيجية السعودية فإنه من الواضح تماما أنها تعتبر الصراع مع القاعدة وعلى الرغم من خطورته وشراسته جزءا من معركة أكثر شراسة وضراوة مع الإرهاب العالمي سواء من الدول الممولة له مثل إيران التي تعد وفقا لتصريحات المسؤولين الأمريكيين دولة داعمة للإرهاب، أو كان نابعا من تنظيمات متطرفة تستخدم العنف لترويع المدنيين أو كوسيلة لإجبار المجتمع على تبني ما تنادي به من أفكار، ومن ثم فإن الرياض لا تعتبر هزيمة أو تراجع القاعدة ونشاطها في المملكة يعني أن تتوقف عن مواصلة السلطات السعودية لحربها الداخلية والخارجية على الإرهاب.
وأفاد بأن العامل الرئيس في نجاح الجولات السعودية المختلفة ضد القاعدة، يعود في الأساس إلى القدرة على حشد مختلف طاقات وإمكانات المجتمع في المواجهة، وترافق الحشد مع درجة عالية للغاية من التنسيق بين مختلف المؤسسات السعودية، ومن ثم فإن المواجهة بين الرياض والقاعدة لم تقف عند حدود الجانب الأمني أو التوعوي للمواطنين أو القانوني لإغلاق الثغرات القانونية، أو حتى سعي الرياض لتنسيق علاقتها الخارجية مع حلفائها الإقليميين والدوليين في المعركة، وإنما صهر كل تلك العوامل وصبها في طاقة واحدة وجهتها إلى القاعدة.
#3#
وقال إن المعركة مع القاعدة لم تنته، وإن تراجعت قدرة التنظيم على شن عمليات ضخمة في المملكة، سواء لما تلقاه من ضربات أمنية أضعفت كل إمكاناته بما في ذلك قدرته على تجنيد مزيد من العناصر الإرهابية بشكل ملموس، أو لظهور منافسين آخرين له في مجال التطرف يمثلون بديلا أكثر جاذبية للإرهابيين، لكن الاستراتيجية السعودية بحشد طاقات المجتمع في المواجهة تظل حجر الزاوية سواء للانتصار على القاعدة أو على الإرهاب كمفهوم عالمي.
ومن جهته، اعتبر الدكتور جاردون جريد المختص في مجال مكافحة التنظيمات الإرهابية أن التجربة السعودية في مجال مكافحة التصدي لتنظيم القاعدة وإلحاق الهزيمة به بشكل ملحوظ تعد نموذجا قابلا للتدريس واستنباط الخبرات.
وعلى الرغم من قبول الدكتور جاردون بفكرة نجاح الرياض في حشد الإمكانات الداخلية والخارجية كافة لمواجهة التنظيم، إلا أنه يعتبر أن هناك مزيدا من التفاصيل في المشهد الكلي سمحت بتحقيق النجاح.
وأكد أن السعودية لم تتعامل مع التنظيم فقط من منطلق أنه تنظيم إرهابي يهدف إلى إلحاق الضرر بالمملكة، وإنما جزء كبير من استراتيجية المواجهة السعودية اعتمد على قيم وقواعد نابعة من المجتمع السعودي ذاته، وعبر تحديث السلطات لقيم تاريخية راسخة استخرجتها من كيفية تعامل القبيلة العربية مع الخارجين عليها من أبنائها، وذلك كله ضمن إطار الدولة السعودية بما لها من مؤسسات.
وأشار إلى أن الاستراتيجية السعودية في مواجهة القاعدة اعتمدت على تطويق هذا الفكر المتطرف، وإيضاح مخاطره على الأبرياء والدولة وما يلحقه من إضرار بالإسلام، وأن عملية التطويق لم تدخل في صراع قاتل مع أعضاء التنظيم من الكوادر الصغيرة أو المتوسطة إذ سعت الرياض عبر حملة دينية إعلامية إلى إيضاح خطورة تلك الأفكار على المنتمين إليها أيضا، وكيف أنها تحدث تشوهات عقائدية وإنسانية لديهم، وهذا عامل شديد الأهمية لزعزعة قدرات التنظيم الداخلية واشتقته السلطات السعودية من مفهوم الردع الاستراتيجي.
وبين الدكتور جريد أن الجهاز الأمني السعودي لم يتعامل مع كل المنتمين إلى الفكر المتطرف باعتبارهم إرهابيين، وإنما أخذت السلطات في الاعتبار مفهوم الفئة العمرية والانحراف أو الشذوذ الفكري، ولهذا قامت بتجربة المناصحة داخل السجون السعودية، وأهمية تجربة المناصحة، ليس فقط في أنها نجحت في إبعاد عدد ملحوظ من أنصار القاعدة عن التنظيم، وإعادتهم إلى حضن المجتمع والدولة مجددا، ولكن الأهم أنها تركت انطباعا إيجابيا بما يحدث في السجون السعودية، وأن السجن ليس مكانا مغلقا لتعذيب أعضاء القاعدة كما حصل في عديد من بلدان الجوار الجغرافي، أو حتى ما قامت به واشنطن سواء في سجن أبوغريب أو جوانتنامو، وبالتالي أفلح الجهاز الأمني في نزع فتيل الرغبة الثأرية عند جزء كبير من المنتمين للقاعدة، وقد أثبتت الدراسات أن الرغبة الثأرية من ضباط الشرطة والجنود الذين يقوم بتعذيب أعضاء التنظيم في سجون دول أخرى، تعد واحدة من العوامل الرئيسة التي تمد التنظيم بمزيد من الإرهابيين وتجعل أعضاءه أكثر تطرفا ورفضا للاندماج مجددا في المجتمع.
وقال إن الطريقة التي أدار بها الجهاز الأمني السعودي معركته مع تنظيم القاعدة، ورغم أنه خسر ضباطا وجنودا لم يتعامل باعتبار الأمر معركة شخصية للثأر لعناصره، وإنما باعتبار القاعدة تنظيم خارج على القانون، ويجب تطبيق القانون عليه، للحفاظ على الدولة وليس للثأر من عناصر انحرفت عن قيم المجتمع.
ومن ناحيتها، فإن الدكتورة سوزي أوين أستاذة علم الاجتماع في جامعة لندن وعلى الرغم من قناعتها بأن الجهاز الأمني السعودي قام بمسؤولية ضخمة في المواجهة والقضاء على التنظيم، إلا أنها تعتبر أن مجموعة القيم المجتمعية السعودية، عززت من قدرة أجهزة الدولة على التصدي للقاعدة وإلحاق الهزيمة به.
وفي هذا الصدد أكدت أنه في أي مجتمع هناك مجموعة من الأعمدة الأساسية التي ترتكز عليها حركة المجتمع، فالطابع الفكري التقليدي والمحافظ على سبيل المثال على منظومة القيم الحاكمة في السعودية، يعد من أحجار الزاوية في تركيبة المجتمع، وللوهلة الأولى قد يعتقد البعض أن التركيبة المحافظة للسعوديين سهلت من قدرة القاعدة أن تجد لها أرضية خصبة بين بعض الفئات الشابة، وهذا يبدو منطقيا في المراحل الأولى من عمليات التنظيم، لكن الأرضية المحافظة أيضا وما يرتبط بها من مجموعة قيم تقليدية كأهمية الأسرة وضرورة الحفاظ على تماسكها ووحدتها، والإعلاء من أهمية الجماعة والمصلحة العامة في مواجهة الفرد، وضرورة الحفاظ على الأواصر والارتباطات الاجتماعية والمجتمعية، ودور القبيلة وشيوخ القبائل، وخطورة الخروج على ولي الأمر وحجم الأضرار الناجمة عن ذلك، أوجد مناخا عاما متعاطفا مع جهود الدولة في ردع القاعدة، عندما تجاوزت الأمور الحديث والنقاش والخلافات الفكرية إلى نطاق العنف الدموي المباشر.
أما ماكس هيلر المختص الأمني السابق في الشرطة البريطانية اعتقد أن السعودية نجحت في مواجهاتها مع القاعدة أثر قيام الجهاز الأمني السعودي باتباع سياسة "تفكيك" منهجية للتنظيم.
وأفاد بأن سياسة التفكيك تتضمن العمل على إضعاف التنظيم وتفكيك خلاياه عبر محاوره الرئيسة، وقد نجح الجهاز الأمني السعودي في ذلك باقتدار، فقد تم توجيه ضربات سواء أمنية أو قانونية لمصادر التمويل بشكل ملحوظ، ولعب ذلك دورا ملحوظا في قطع شرايين الحياة عن التنظيم، كما أن رجال الدين في المملكة وبالتعاون مع الجهاز الإعلامي قاموا بدور كبير في تشييد حائط صد ضد أفكار القاعدة، وبقدر ما أفقد ذلك الكثير من أفكار التنظيم بريقها الأولي ووهجها، حيث نزع عن الأعضاء ما يسعون لترويجه باعتبارهم رمزا للتضحية النبيلة من أجل رفع راية الإسلام.
وأكد المختص الأمني أنه يجب الإشارة أيضا إلى أن الدولة ومع إدراكها لخطورة المواجهة مدت الأجهزة التي تمثل رأس الحربة في الصراع مع التنظيم بكل احتياجاتها، حيث القوات الأمنية السعودية بما فيها قوات الجيش لم تكن مدربة لمواجهة هذا النوع من التحديات، إذ كان تدريبها قبل عام 2003 منصب على الاستعداد لمواجهة المخاطر التقليدية كالجرائم العادية، بينما كانت قوات الجيش مستعدة لخوض حروب تقليدية، وليس هذا النوع من العمليات القتالية، ولهذا اتخذ قرار على أعلى المستويات السياسية والأمنية بضرورة التنسيق الدائم مع البلدان التي خاضت تجارب مع منظمات إرهابية عنيفة على غرار الجيش الجمهوري الإيرلندي، أو بادر مانهاوف الألمانية أو العمل المباشر الفرنسية، وتدريب الجيش والجهاز الأمني السعوديين على تلك النوعية من الصراعات، ما أكسب الجهاز الأمني السعودي خبرات واسعة النطاق، إضافة إلى سلاسة في الحركة مكنته من توجيه ضربات قوية للتنظيم.