ثلوج النفود

في عام 1893 كان الرحالة الغربي البارون ادوارد نولده في صحراء النفود المعروفة في شمال الجزيرة العربية، وشاهد كمية كبيرة من الثلوج تكسو رمالها، وقد وصف ذلك في رحلته بقوله: "سقطت الثلوج بغزارة، حيث غطت النفود طولا وعرضا بطبقة ثلوج إلى الدرجة التي كنا نرى منظرا طبيعيا من روسيا لا منظرا في وسط الجزيرة العربية. لقد أوضح لي البدو بأنهم سمعوا أن مثل هذه الثلوج تسقط أحيانا إلا أنها نادرة جدا فلم يسبق أن حدث هذا إلا قبل نحو 50 سنة".
أعاد إلى ذاكرتي هذا النص ما حدث في الأيام الماضية من نزول للثلوج في شمال السعودية غطى مناطق شاسعة، اكتست بالبياض، وكأننا في سيبيريا وروسيا، وكنت فيما مضى حدثت بعض الأصدقاء عما قاله نولده فاستنكروه، حتى رأوه أخيرا بأعينهم.
قد نتعجل أحيانا في أحكامنا، ونلجأ فورا إلى العقل المحدود، والرؤية المحدودة بزمن قصير، فنكذب شيئا قرأنا أو سمعنا عنه، وهو خطأ نرتكبه، إذ إن الأرض مليئة بالغرائب والعجائب، وقد يحدث بعضها في سنة أو سنوات معينة، ثم ينقطع ردحا من الزمن، لكنه يعود مرة أخرى. وكما قال البدو للبارون إن هذا لم يحدث منذ 50 سنة.
لننتقل إلى نص آخر ذكره بالجريف عندما زار وادي السرحان في شمال السعودية عام 1862، إذ يقول: "شاهدنا في هذه المنطقة قطيعا كبيرا من النعام، والنعامة هي أحسن الطيور التي تعيش على سطح هذه الأرض، كما أنها أصعب الطيور فيما يتعلق بالاقتراب منها، وعندما شاهدنا النعام، من بعد وهو يجري واحدة إثر أخرى في صف طويل، كما لو كانت حياته تعتمد على هذا الصف، حسبناه مجموعة من الجمال المذعورة، وبدو الشرارات يصطادون النعام، نظرا للإقبال على شراء ريشه".
ومن هم على قيد الحياة اليوم لا يذكرون أنهم شاهدوا نعامة قط، إلا ما جلب للمحميات بواسطة هيئة الحياة الفطرية، أو مهتمين. فبعض الرواة يذكر أن آخر رؤية للنعام في منطقتنا كان في حدود عام 1335هـ. ومن المعروف أن شق قناة السويس منع الحيوانات المهاجرة من إفريقيا من الوصول إلى لجزيرة العربية. وربما تتغير الأحوال في زمن من الأزمان فنرى النعام والفهود والأسود وغيرها من الحيوانات التي لا نراها إلا في حديقة الحيوانات تجوب بلادنا.
وصدق الشاعر:
إذا قرأ الإنسان أخبار من مضى
توهمته قد عاش من أول الدهر

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي