موازنة التحدي .. «الإنفاق الذكي»
“موازنة التحدي .. هيكلة وكفاءة وشفافية”، بهذا العنوان اختصرت صحيفة “الاقتصادية” في عددها الصادر في الـ29 من ديسمبر الماضي، أبرز ملامح التغيير التي طرأت على الموزانة السعودية لعام 2016.
الموازنة التي أعلنت في جلسة ترأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وضعت الإنفاق المقدر للعام الجاري عند مستوى 840 مليار ريال، في مقابل إيرادات متوقعة بقيمة 513.8 مليار ريال، ما يعني عجزا بقيمة 326.2 مليار ريال، لم تكن عادية في كل تفاصيلها، وأظهرت عزم الحكومة تعزيز مستويات النمو الاقتصادي، والبدء فعليا في تنويع مصادر الدخل، وترشيد النفقات.
وأفادت وزارة المالية بأن “تمويل العجز سيجري وفق خطة تراعي أفضل خيارات التمويل المتاحة ومنها الاقتراض المحلي والخارجي وبما لا يؤثر سلبا في السيولة لدى القطاع المصرفي”.
كما خصصت المملكة 183 مليار ريال لدعم الميزانية في 2016 وذلك بهدف مواجهة أي نقص محتمل في الإيرادات جراء تقلبات أسعار النفط العالمية. وأظهرت بيانات موزانة 2016 ، التي تضمنت هيكلة جديدة لأبوابها، أن القطاع الأمني والعسكري استحوذ على نصيب الأسد من الميزانية السعودية للعام الجديد بإجمالي 213 مليارا و367 مليون ريال يليه قطاع التعليم والتدريب والقوى العاملة بمخصصات قدرها 191 مليارا و659 مليون ريال ثم قطاع الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية بمخصصات 104 مليارات و864 مليون ريال. وأكد خادم الحرمين الشريفين أن الميزانية السعودية للعام الجديد سترفع كفاءة الإنفاق العام، مشيرا إلى أن الاقتصاد السعودي يملك من الإمكانات ما يؤهله لتجاوز التحديات التي منها تراجع أسعار النفط.
ولفت الملك سلمان إلى أن الميزانية الجديدة تستهدف تقوية العلاقة بين القطاعين العام والخاص، وقال: “وجهنا مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بالعمل على إطلاق برنامج إصلاحات اقتصادية ومالية وهيكلية شاملة، وهذه الميزانية تمثل بداية برنامج عمل متكامل وشامل لبناء اقتصاد قوي قائم على أسس متينة تتعدد فيه مصادر الدخل، تنمو من خلاله المدخرات، وتكثر فرص العمل، وتقوى الشراكة بين القطاعين العام والخاص”.
وبين الملك أن الحكومة ستعمل على مواصلة تنفيذ المشاريع التنموية والخدمية، وتطوير الخدمات الحكومية المختلفة، ورفع كفاءة الإنفاق العام، ومراجعة منظومة الدعم الحكومي، مع التدرج في التنفيذ لتحقيق الكفاءة في استخدام الموارد والحد من الهدر، مع مراعاة تقليل الآثار السلبية على المواطنين متوسطي ومحدودي الدخل، وتنافسية قطاع الأعمال. وأظهرت بيانات ميزانية 2015 ارتفاع حجم الدين العام مع نهاية عام 2015 إلى 142 مليار ريال، وهو ما يمثل نحو 5.8 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي، وذلك مقارنة بـ 44.3 مليار ريال خلال العام الماضي . وأرجعت وزارة المالية زيادة الدين إلى إصدار سندات بقيمة 98 مليار ريال للمؤسسات المالية المحلية عام 2015.
كما انخفض الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية خلال عام 2015 بنسبة 13.4 في المائة ليصل إلى 2450 مليار ريال، كما شهد معدل التضخم ارتفاعا مقارنة بالرقم القياسي المسجل في عام 2014 ليصل إلى 2.2 في المائة.
وخصصت الحكومة في ميزانية 2016 مبلغ 191.7 مليار ريال لقطاع التعليم والتدريب و104.9 مليار ريال لقطاع الصحة، و183 مليار ريال لدعم الميزانية العامة.
على الجانب الآخر يرى المختصون الذين تحدثوا عن الموازنة بعد صدروها وهي الأولى في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أنها تركز على الإنفاق الذكي وتعزيز متانة البنية التحتية لبناء اقتصاد قوي، وتحقيق التنمية المستدامة ورفع كفاءة الاقتصاد. إذ تتكئ على تعدد مصادر الدخل وتحقيق الكفاءة في استخدام الموارد والحد من الهدر ومراعاة تقليل الآثار السلبية على المواطنين متوسطي ومحدودي الدخل، وتنافسية قطاع الأعمال.
وشدد المختصون على أن متانة الاقتصاد السعودي وتماسكه تتجلى برغم الظروف والتحديات الاقتصادية العالمية، التي تتمثل في انخفاض أسعار البترول وتراجع النمو الاقتصادي العالمي، وغياب الاستقرار في بعض الدول المجاورة، وهذا يدل على حكمة القيادة الرشيدة في المحافظة على استمرارية المشاريع التنموية بكفاءة دون هدر.
ونوهوا إلى أن هذه الميزانية أظهرت نموا في الإيرادات غير النفطية، ما يدل على توجه قوي لتنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على مصدر واحد وتؤكد أن المملكة ماضية على الاستثمار والاستخدام الأمثل في تنويع مصادر الطاقة والتقليل من الاعتماد على البترول في القطاعات كافة بما فيها قطاع تحلية المياه والكهرباء.
فيما نوه تحليل اقتصادي بما اتسمت به ميزانية المملكة لعام 2016 من واقعية وشفافية وما حملته طياتها من تفاؤل على الرغم من تسجيلها عجزا متوقعا قدر بنحو 327 مليار ريال، حيث أكد الاستمرار في تنفيذ المشاريع التنموية في ظل التحديات والظروف والتقلبات الاقتصادية الإقليمية والعالمية، علاوة على رفع كفاءة الإنفاق الحكومي والأداء، والاستفادة من الموارد الاقتصادية، وزيادة عوائد الاستثمارات الحكومية.
وقال مجلس الغرف السعودية في قراءة تحليلية للميزانية أعدها مركز المعلومات والبحوث في المجلس، إن أبرز أوجه الإنفاق التنموي للميزانية تمثل في الاستمرار في الإنفاق على القطاعات التي ركزت عليها الدولة خلال السنوات القليلة الماضية، وهي القطاعات التنموية وبالذات القطاعات التي لها تأثير على المواطن وتعزيز بناء الإنسان السعودي والاستثمار في العنصر البشري، حيث خصصت الميزانية 22.8 في المائة من الاعتمادات المالية لقطاعي التعليم والتدريب والقوى العاملة بإجمالي نفقات وصلت إلى 191.6 مليار ريال.