السعودية ومصر .. الأخ درع لأخيه

السعودية ومصر .. الأخ درع لأخيه
السعودية ومصر .. الأخ درع لأخيه
السعودية ومصر .. الأخ درع لأخيه

"نحن – والحمد لله – موقنون بأن القوة في وحدة الكلمة، وأن الأخ درع لأخيه، وتآخينا من شأنه أن يوثق عرى التآخي بين شعبينا، ولا نشك في أن مصلحة البلدين تقضى بوحدة اتجاههما السياسي ووحدة السبيل الذي يسلكانه في منهاجهما الدولي، ذلك مبدؤنا ومبدأ شعبنا يتوارثه الأبناء، ويبقى – إن شاء الله – على وجه الدهر بهذه الروح ".

بهذه الكلمات اختتم الملك المؤسس عبدالعزيز زيارته التاريخية لمصر منتصف يناير 1946 بعد 12 يوما قضاها متنقلا بين ربوع أرض الكنانة يحفه ترحيب أبنائها ونبل حكامها.

وعلى العهد والمبدأ ذاته يزور اليوم خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز مصر وسط احتفاء رئاسي وحكومي وشعبي مهيب، يذكر بزيارة المؤسس قبل 70 عاما.

#2#

التي كان عمر الملك سلمان حينها بالكاد يتجاوز عشرة أعوام. ومع ذلك تقلد الوشاح الأكبر من نيشان النيل، رغم أن قانون النياشين كان ينص على ألا تهدى لمن لم يبلغ عمره أقل من 21 سنة، غير أن الملك فاروق زيادة في التكريم، رأى أن يكسر هذا البروتوكول حصرا ليهدي جميع أنجال الملك المرافقين الوشاح الأكبر.

وعن مجمل هذه الزيارة وما تميزت به من محبة ووحدة وإخاء يقول المؤسس بعد عودته في مجلس ضم مستشاريه والمواطنين "ليس البيان بمسعف في وصف ما لاقيته، ولكن اعتزازي أني كنت أشعر بأن جيش مصر العربي هو جيشكم، وجيشكم هو جيش مصر، وحضارة مصر هي حضارتكم، وحضارتكم هي حضارة مصر، والجيشان والحضارتان جند للعرب".

#3#

تمضي الأيام وتتتابع الأحداث السياسية وتتباين المواقف الدولية بينما أبناء المؤسس وشعبه يتوارثون المبدأ ذاته ثقافيا وسياسيا تجاه مصر وشعبها، كأمانة، وعهدة لكل عهد، لا يتثاقلون عن حملها ولا يفرطون في تأديتها على أكمل وجه، في الشدة والرخاء.

إذ يذكر التاريخ للملك سلمان حفظه أمانة الوالد المؤسس وغيرته على عروبة مصر قولا وفعلا في أشد المواقف وأحلكها إبان العدوان الثلاثي على مصر، حيث رافق في 1956 مجموعة من الأمراء للتطوع في جيش التحرير المصري دفاعا عن مصر الشقيقة واستمرارا في التضامن والدفاع عن فلسطين قضية العرب الأولى.

وكل ذلك يأتي في إطار عربي مشترك كان للملك المؤسس الدور الأكبر في جمع شمله إثر تبنيه ودعمه مشروع الجامعة العربية ومقرها القاهرة، تلك الجامعة الفتية آنذاك التي كان يصفها بـ "المنار"، إشارة إلى دورها المرشد والحامي لعموم العرب، كما شرفت الجامعة بدعمه وتوقيعه في سجل زوارها خلال زيارته التاريخية لمصر.

ولكن هذا الدعم اللا محدود لم يمنع المؤسس عن التعبير بكل صراحة وواقعية سياسية عن رأيه في مستقبل هذه الجامعة خلال حديث خاص نقله عنه الأديب المصري المعروف عباس محمود العقاد بعد زيارته السعودية في كتابه "مع عاهل الجزيرة العربية".

يقول الملك عبدالعزيز "مستقبل الجامعة العربية مرهون بمشيئة الشعوب، لأن الرؤساء والأمراء ينفعون الجامعة بتأييدهم إياها، لكنهم لا يثابرون على تأييدهم إلاّ إذا عرفت الشعوب مزاياها، واتفقت على الرغبة فيها، وحالت بهذه الرغبة القوية النيرة، دون تنافس الرؤساء وتنازع الأمراء".

الرهان على مشيئة الشعوب وتأييدها لإنجاح هذه الجامعة وغيرها من المشاريع والمبادرات العربية هو ما يتبناه ويراهن عليه أيضا خادم الحرمين الملك سلمان في رؤيته السياسية وفي زياراته المتنوعة والممهورة بكثير من الأبعاد والرسائل الثقافية والشعبية التي طالما تبناها منذ كان أميرا للرياض.

وكما كان للملك المؤسس مستشارون ومقربون يستأنس برؤاهم الأدبية والثقافية من نوع أمين الريحاني والعقاد وغيرهما. للملك سلمان أيضا أصدقاء ومقربون من الأدباء والمثقفين، فضلا عن شغفه عموما بالشأنين، الأدبي والإعلامي، المصري خصوصا والعربي إجمالا.

وهذا ما أضاف إلى سياسات الملك سلمان بعدا حضاريا لا يكتفي بثمار اللحظة الراهنة بل يتعداها لما هو أبعد وأشمل. وهنا يذكر معرض "المملكة بين الأمس واليوم" الذي جال في الثمانينيّات برعاية "الأمير" سلمان حينها كثيرا من عواصم العالم على رأسها القاهرة، مقدما ومعرفا بثقافة الوطن ومادا جسور التعارف والتواصل. في قوالب شعبية يفهمها ويدركها الصغير قبل الكبير. ويشعر بها المواطن البسيط قبل السياسي الخبير. 

إلى ذلك، فإن ما كتبته جريدة "الكتلة" المصرية، قبل 70 عاما في صفحتها الأولى عن الملك المؤسس عبدالعزيز، مرحبة به بين أهله وشعبه "عرفت فيه مصر الإخلاص للعروبة وأهلها، والسعي بالخير لفلسطين وعربها، والغضبة المصرية لكل ما يراد بالعرب من سوء أو مكروه"، هو ذاته ما يمكن استحضاره اليوم، وما عرفته مصر وخبرته في رخائها كما في أزماتها عن أبناء المؤسس، وعن ضيفها الملك سلمان.

وهو أيضا ما بات يعرفه العدو قبل الصديق، عن سلمان ومواقفه "العاصفة" إذا ما احتاجت العروبة، و"الحازمة" إذا ما دعت الضرورة، وكل ذلك لا يخلو من "أمل" غايته ومنبعه وحدة الصف العربي ونهضته تنمويا وحضاريا.

يبقى أن علاقة السعودية بمصر ليست رهينة المصالح السياسية المتبدلة، كما يتوهم بعض قاصري النظر، لكنها علاقة ثقلين وكيانين، سياسي وحضاري، يدرك الجميع أهمية موقعهما وكونهما صماما أمان المنطقة.

وهذا ما أسس له الملك عبدالعزيز وما تسير عليه مؤسسات البلدين، عن وعي وإدراك. وزيارة الملك سلمان اليوم ليست إلا استمرارا لذات الرؤية والنهج، وعملا على ترسيخ المبادئ ذاتها، حكومة وشعبا.

الأكثر قراءة