السفرة الرمضانية .. عادات ثابتة وأجور ترتفع
قبل وصولك إلى المسجد النبوي بنحو مئات الأمتار ستبدأ أصناف التجارة تنهمر على طريقك كما ونوعا: سبح، هدايا، ساعات، وسجاد، والأجر المطلوب بضع وريقات من العملة المحلية الريال السعودي، ولا بأس من عملات أخرى متنوعة يمكن صرفها من محل صرافة مجاور، غير أن الأجر المطلوب حين تقترب أكثر إلى الحرم النبوي يتحول إلى عملة أخرى لا يمكن صرفها في محل صرافة دنيوي.
يبقى صوت المسوقين، وهم ينادون إلى دكاكينهم وإلى بسطاتهم وهذه المرة إلى موائدهم العامرة بما يتاح مما لذ وطاب. يتسابق أصحاب الموائد إلى دعوتك إلى التفضل بالجلوس في موائدهم المتراصة بدءا بساحات المسجد الخارجية وانتهاء بالروضة الشريفة في قلب المسجد النبوي، حيث الزحام أكبر والدعوة تبقى رغم ذلك موجودة للفوز بتفطير صائم قادم للصلاة.
الخبز المسمى "الشريك المديني" يتصدر الموائد وإلى جانبه علب الزبادي، كأفضل غموس متاح للخبز طيب المذاق، إلى جانب التمر والرطب، فيما تزين علب الزبادي المفتوحة للتو برشة وافرة من الدقة المدينية، أو الدوقة كما ينطقها أبناء الحجاز لتعطي هذه الأخيرة طعما مالحا ومحببا للبن المجمد، فيما دفايات القهوة العربية تقف شامخة في طرف السفرة بانتظار عشاقها.
في الخارج وفي الساحات المجاورة للحرم النبوي بالإمكان فرش السفر التي تتضمن أصنافا غذائية أكثر دسما، مثل الرز واللحم والإيدامات بأشكالها كافة، غير أن كثيرين من أصحاب السفر الرمضانية يفضلون البقاء داخل أسوار الحرم على تنويع موائدهم محاولين في كل مرة على قدر الإمكان الدخول بأصناف إضافية، مثل حلوى الطرمبة، صغيرة الحجم والمفضلة لدى شريحة واسعة من الصائمين كما يقول ناصر عليان صاحب سفرة رمضانية تمد موائدها منذ 14 عاما.
وعلقت وكالة الرئاسة العامة لشؤون المسجد النبوي على هذه العادة الرمضانية بالقول: "هي صورة تعكس التكافل الاجتماعي والتلاحم والتراحم بين المسلمين في رحاب المسجد النبوي الشريف وساحاته الخارجية فتشاهدهم ما بين قارئ للقرآن، وآخر ينظم موائد الإفطار للصائمين، وآخر رافعا يديه إلى السماء يرجو من الله الرحمة والمغفرة في هذا الشهر الكريم".
من جهته، يشير عليان مدني أحد المكلفين بإعداد سفرة رمضانية إلى أن متوسط أعداد السفر الرمضانية للأشخاص المتبرعين والتجار الذين يتسابقون إلى دعوة الصائمين، من سفرتين إلى خمس سفر متوسطة الطول, لافتا إلى أن السفر الموجودة داخل حدود أسوار الحرم، هي عائدة إلى أشخاص لهم تاريخ طويل في تقديم مثل هذه الخدمات وخبرات متوارثة، إذ يحجز المتبرع مكانا كافيا لسفرته ويعطي علما للمجاورين بحدود سفرته ما يمنع أي شخص جديد من محاولة حجز ما اتفق عليه الباقون من حدود لصاحب سفرة قديم.
فيما يلفت عبد العزيز الردادي، وهو صاحب سفرة خارج أسوار المسجد النبوي وداخل حدود الحرم، إلى أهمية الاعتناء بالزوار القادمين للصلاة كما لو كانوا ضيوفا خاصين، مشيرا إلى أن العمل في السفر الخارجية يتيح مجالا أوسع لخدمة هولاء الضيوف وتلبية طلباتهم وإرضاء أذواقهم.
وكما تظهر العيوب البشرية في التجارة الدنيوية تطغى عيوب البشر أيضا حتى في التجارة مع الخالق من نقص القدرة على العفو والصبر أحيانا بين بعض فارشي السفر الرمضانية وتنافسهم على المواقع واختلافاتهم شبه الحدودية التي غالبا ما تتم تسويتها وتنظيمها من جانب الجهات المنظمة لهذا النشاط، غير أن الأغلب هو تغليب التسامح بين المتخاصمين ومظهر السكينة الذي يعم المكان.
وما يدعو إلى إعادة التفكير في الدوافع الحقيقية لبعض فارشي السفر الرمضانية الذين يختلقون مشكلات داخل الحرم هو حقيقة أن متوسط دخل الأشخاص الذين يعملون لدى صاحب السفرة يبلغ من 500 ريال إلى 800 ريال بحسب عمر الشخص الذي في الغالب يكون عمره بين الـ 12، والـ 20 عاما وتكون مهمته محصورة في جلب الطعام وترتيبه وتسويقه للصائمين ليقبلوا عليه، ومن ثم لف السفرة بسرعة رهيبة استعدادا لإقامة الصلاة.
ويوضح أحد أصحاب السفر الرمضانية أن التكلفة في اليوم الواحد تربو على المائة ريال في أضعف صورها وتقترب من ثلاثة آلاف ريال عند بعض أصحاب السفر العريقة والممتدة، والأكيد أن الدوافع الحقيقية الأكبر لهؤلاء التجار مع الله تنحصر في تجارة خالصة مع خالقهم تتبدى مظاهرها من حسن معاملتهم لإخوانهم من خلقه ورحمتهم بهم وإبداء لين الجانب مع حسن العطاء.