الثلاثاء, 29 يولِيو 2025 | 3 صَفَر 1447


رمضان في السعودية .. وعاء روحاني لتمازج عادات الجاليات العربية

تتناسى الجاليات العربية المقيمة في السعودية، خلال شهر رمضان المبارك، همومها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتتمازج عاداتها وتقاليدها الرمضانية، التي تكاد تكون متشابهة ومتقاربة إلى حد كبير؛ وإن تعدّدت طرق ممارستها من بلد لآخر.
يظل الطابعان الديني والاجتماعي محورين ومكونين أساسيين لممارسة الشعوب العربية عاداتها وتقاليدها في شهر رمضان المبارك، الذي يُقبل وهو يحمل الخير والبركة إلى المسلمين في كل أرجاء المعمورة، ويتبارى المسلمون في البلدان العربية لاستقبال الشهر الفضيل؛ حيث يتهيأ كل بلد؛ وفق طريقته وعاداته وتقاليده الموروثة، وهي عادات راسخة؛ إن اختلفت في طقوسها فإنها تتوحّد بطابع الروح الإسلامية؛ إذ لرمضان مكانة خاصة في نفوس الشعوب العربية المسلمة.
قال لـ "الاقتصادية" محمد أحمد إبراهيم؛ مقيم سوداني، حاصل على درجة الماجستير في علم النفس، إن الشيء اللافت أن رمضان في البلدان العربية يبدأ قبل قدومه بأيام عديدة؛ بل إن عدداً من الدول العربية؛ كالسودان، يبدأ فيها رمضان قبل أشهر من خلال تجهيزات رمضانية متعدّدة، ولعل الشعوب العربية تسمع كثيراً عن مشروب "الحلو مر" وكثيراً ما يتساءلون عن سرّه ومكوناته.
كما تعج شوارع مدن وقرى البلدان العربية بحركة غير اعتيادية في الأسواق والمراكز والمحال التجارية، حيث يُقبل المسلمون في البلدان العربية، على شراء احتياجاتهم ومستلزماتهم الرمضانية من مواد تموينية مختلفة ومتعدّدة تتنوّع بتنوّع عادات وتقاليد الثقافة الغذائية لكل دولة عربية.
أما أحمد عفيف؛ مقيم مصري، يعمل مدير مبيعات في أحد المجمعات التجارية في الدمام، فيقول إن انتشار الفوانيس في الدول العربية، خاصة في مصر وبقية بلاد الشام، يعد دلالة على قدوم الشهر الكريم، حيث تتم إضاءة الطرقات والشوارع والمآذن والمحال التجارية في الأسواق، التي تعرض أنواعاً من الحلويات والأطعمة الرمضانية، كما تزدان شوارع وطرقات وشرفات البيوت في بعض مدن الدول العربية بالزينة المضاءة، وتُعلق الشرائط الخضراء والنجوم الأثرية والفوانيس الصغيرة.
وأضاف عفيف؛ لكن رمضان في السعودية له وقع خاص في نفوس المسلمين عندما تتوجه قلوبهم وأفئدتهم في كل يوم لأداء فروض الصلاة وأداء العمُرة في مكة المكرمة وزيارة المدينة المنورة، فهاتان المدينتان تشهدان مع أذان المغرب تنظيم موائد الإفطار، ويتسابق الخيّرون في دعمها مادياً ومعنوياً لتجذب إليها المسلمين، في منظر روحاني تكافلي اجتماعي مهيب، وهم يتبادلون فيما بينهم التمر والماء والقهوة العربية.
يفضل كثير من الدول العربية أن تزخر موائدها الرمضانية بأشهى المأكولات والمشروبات المتنوعة بتنوّع ثقافات كل دولة وعاداتها، فهناك أنواع متعدّدة من الأطعمة سواء من التمر والشوربة بمختلف مذاقاتها، والدجاج والسمك واللحم والخبز، وتمتد المائدة الرمضانية في بعض الدول العربية، خاصة في الخليج، لتشمل تقديم عدد من الأكلات والأطعمة المختلفة من أطباق الهريس باللحم أو الدجاج والجريش القديم، والكبّة، وطبق المرجوج، والعصيدة والفول والفلافل، والمحلبية والزلابيا واللقيمات والغريّبة وغيرها من الحلويات والفواكه مع شرب القهوة والشاي.
وإن اختلفت مسمياتها، فان شهر رمضان يرتبط بعادات أصيلة للأطفال في بعض الدول العربية؛ حيث يحتفلون في منتصف رمضان بما يُسمى "القرقيعان"
في السعودية والخليج، ومسميات مختلفة في الدول العربية، ابتهاجاً بالشهر الفضيل، إذ يرتدي الأطفال الملابس التقليدية ويذهبون إلى الأهل والأقارب والجيران وهم يردّدون أناشيد معينة ويدقون على الأبواب ليحصلوا على بعض الحلويات والمُكسرات، في دول أخرى تتعدى للألعاب الليلية التي يمارسها الأطفال وهي ألعاب تعتمد على الجري والخفة والسرعة في أدائها. أما المسحراتي، فقد عرفته الشعوب العربية بتفانيه وإخلاصه في إيقاظ الصائمين لتناول السحور، أما الآن فإن الصائمين لا ينامون قبل السحور، فراحت على المسحراتي أيامه؛ بل أصبحت وسائل الاتصال الحديثة تقوم مقام المسحراتي من خلال ضبط منبّه الجوّال والساعة أو التلفاز.
وللمجالس الرمضانية وقع خاص في نفس العائلات العربية؛ حيث تجتمع الأسرة تحيط بها أنواع مختلفة من التمر والقهوة والشاي والحلوى، للحديث عن رمضان وخيراته وذكرياته في نفوس الكبار منهم، فتمثل تلك المجالس العائلية ملتقى اجتماعياً عائلياً يزيد من ترابطها وتكاتفها. إنّ اجتماع كل أفراد العائلة في منزل كبير العائلة؛ سواء كان الجد أو الأب على مائدة الإفطار اليومية، هو من العادات المحبّبة لدى كثير من الشعوب العربية.
تظل أيام شهر الصوم المبارك لها طابع خاص في نفوس الشعوب العربية؛ فإقبال الصائمين على المساجد، وكثرة حلقات الدروس والوعظ وتلاوة القرآن الكريم، أكثر ما يلفت النظر في المدن والقرى.
يستقبل بعض الناس الشهر الفضيل بالموشحات والأناشيد الدينية، ويلاحظ زيادة المصلين في المساجد منذ رؤية الهلال حتى وداع رمضان.

الأكثر قراءة