«زيتونة تونس» .. حكاية 1300 عام من العلم والعبادة

«زيتونة تونس» .. حكاية 1300 عام من العلم والعبادة

يقف جامع الزيتونة شامخا في قلب العاصمة التونسية ليستقبل يوميا في شهر رمضان مئات المصلين، وهو الجامع الذي تكونت ونمت حوله الحضارة في عاصمة البلاد، إذ تأسس منذ عام 79 للهجرة، حيث يعد أقدم جامعة عربيّة إسلاميّة استمرت تؤدي دورها قرابة 13 قرنا متتالية دون انقطاع يُذكر، كما يعد ثاني الجوامع التي أقيمت في إفريقيا بعد جامع عقبة بن نافع في مدينة القيروان وسط تونس.
وتروى في تونس عديد من الأقاويل حول أصل تسمية الجامع، إلا أن أغلب الروايات ترجح وجود شجرة زيتون كثيفة الورق في إحدى زوايا المكان الذي بني فيه الجامع فتيمن البناؤون بها على اعتبار أنها شجرة مباركة ذات خير وفير.
واللافت أن شهرة جامع الزيتونة على مستوى العالم العربي والإسلامي لا تعود فقط إلى الدور الذي قام به كمسجد للصلاة والعبادة فحسب، بقدر ما تعود إلى الدور العلمي والثقافي الذي اضطلع به منذ أوائل القرن الثاني الهجري وعبر العصور، حيث اضطلع بتدريس العلوم الإسلامية بداية من سنة 120هـ -737م، وهو بذلك يعد أقدم جامعة عربيّة إسلاميّة استمرت تؤدي دورها قرابة ثلاثة عشر قرنًا متتالية دون انقطاع يُذكر.
ويعد العلامة عبد الرحمن بن خلدون من أبرز من تتلمذ في الجامع، وكان التعليم فيه يشمل التعليم الإسلامي الأدبي والديني والفلسفة وعامة العلوم العقليّة والرياضيّة خصوصا الطب والفلك والرياضيّات، وقد تخرج منه عديد من المفكرين والأطباء والكتاب العرب.
وقد كان التدريس في جامع الزيتونة يجري على الطريقة التقليدية بحيث يجلس الشيخ عند أحد زوايا المسجد ويجتمع إليه الراغبون في الأخذ عنه دون أن يكون هناك نظام يضبط حالة العلماء والمتعلمين ولا يقيدون بمادة علمية بعينها ولا بكتاب مخصوص، وكان نظام التعليم حرا يوكل الأمر فيه لهمة الطالب وطاقته في التحصيل والاستيعاب، ولم يكن الطالب مرتبطا بحضور إجباري منتظم، كما أنه كان حرا في الالتحاق بأي حلقة والأخذ من أي عالم من العلماء، وكانت مدة بقاء الطلبة بالدراسة تختلف باختلاف الأشخاص وهدفهم من التعليم، ولاحقا جرى بناء جامعة "الزيتونة" للشريعة وأصول الدين بالقرب من الجامع وهي جامعة ما زالت حتى الآن تخرج مئات الطلبة من مختلف الجنسيات.
ويحتوي الجامع على مكتبة أسسها أبو زكريا الحفصي في القرن السابع الهجري، ووضع فيها 40 ألف مخطوط، ثم تعاقب عليها الخلفاء من بني حفص يغذون خزائنها بأهم الكتب وأكثرها قيمة من شراء وإهداءات يحملها المهاجرون من الأندلس، ولقد تنافس أهل تونس وأمراؤها في إغناء جامعهم بالمؤلفات على أنواعها مما له علاقة بالتفسير أو الحديث أو الفقه وغير ذلك من العلوم العقلية والنقلية ولم تترك هذه الكتب هكذا نهبا للفوضى، بل وجه أولو الأمر عنايتهم إلى تنظيم تداولها بين أيدي القراء والباحثين والدارسين وحفظوها في خزائن مخصوصة داخل المسجد كما حبسوا عليها الأوقاف لاستعمال ريعها وعائداتها لتغطية نفقات صيانتها وتأمين الرواتب المجزية للقائمين عليها.
ويمتد الجامع على مساحة خمسة آلاف متر مربع، وهو شبيه إلى حد كبير بجامع القيروان، إذ يحتوي الزيتونة على سبع بلاطات مسكبة معمدة تحتوي على 15 مترا مربعا وهي مغطّاة بسقوف منبسطة، وقد اعُتمد أساسا على الحجارة في بنائه إلى جانب استعمال الطوب في بعض الأماكن.
ووسط أجواء إيمانية وخشوع مفعم بالروحانية والصفاء، يتوافد كل ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك مئات المصلين من مختلف جهات العاصمة التونسية من أجل إقامة صلاة العشاء والتراويح في جامع الزيتونة بسبب اتساع ساحاته، وتعلو من مئذنة الجامع يوميا طوال شهر رمضان الكريم آيات من الذكر الحكيم، كما يقدم شيوخ الجامع يوميا حلقات للدروس الدينية بين صلاتي الظهر والعصر.
وتيمنا باسم الجامع العريق فإن عددا من وسائل الإعلام المحلية سمت نفسها باسمه خاصة تلك التي يركز محتواها على الجانب الديني والفقهي.

الأكثر قراءة