تعويذة «داعش» (1)
في كل مرة أعاهد نفسي ألا أكتب إلا عن الأمور التي تبعث الأمل والحب والإيجابية لدى القراء الأعزاء وألا أدع الأحداث المؤلمة التي تحيط بنا تجرفني للكتابة عنها، فأرواح الناس ضجت من الألم وأصبحت عطشى لكلمات تروي زهور الحب والسلام والإحساس بالأمان في داخلها، ولكن يطغى تخصصي في علم الاجتماع أحيانا على روح الكتابة فيقودني إلى تأمل بعض الظواهر التي "تطفح" على سطح المجتمع.
ما حدث في فجر الجمعة الحزين من قيام مراهقين داعشيين بالاعتداء بوحشية على والديهما وشقيقهما بالسكاكين والسواطير حتى فاضت روح والدتهما الطاهرة إلى ربها، قادني إلى تساؤل أدرك جيدا أن كثيرين مثلي يحاولون أن يجدوا إجابته.. كيف تسيطر «داعش» على عقول الشباب إلى هذه الدرجة؟! وأي تعويذة شيطانية تنثرها "داعش" بين تلافيف عقول هؤلاء السذج حتى يتركوا لها حرية توجيههم حيث أرادت دون أدنى تفكير أو حتى تقدير للعواقب الدنيوية والأخروية؟!
في "داعش" كل الافتراضات واردة فلو افترضنا أن "داعش" تستخدم البرمجة العصبية التي سميت بهذا لأنها تعيد برمجة العقل، حيث إنها تقوم على أساليب نفسية تعزز السلوك المطلوب وتفكك المعتقدات القديمة وتزرع المعتقدات الجديدة، فسوف نقبل بهذه الفرضية لأن ما يفعله هؤلاء الشباب من قتل لآبائهم وأمهاتهم وأبناء عمومتهم وكل ما له صلة بالعسكريين يؤكد لنا أنه تمت برمجة عقولهم على حسب توجهات جماعة «داعش» وأهدافها ولذلك أصبح هؤلاء الشباب مجرد "روبوتات" يتم توجيهها بالريموت، فالمعتقدات التي كانت راسخة في عقولهم عن بر الوالدين واحترام رجال الأمن ومحبة أبناء العمومة وغيرها، كلها تم تفكيكها من عقولهم وغرس مفاهيم جديدة قائمة على الولاء التام لـ "داعش" وأن أي شخص يقف في طريقهم يجب التخلص منه بغض النظر عمن يكون، ولذلك يقتلون أحبتهم بدم بارد وعواطف متجمدة لأنهم في نظرهم مجرد قرابين تؤكد ولاءهم التام لـ "داعش"!
الافتراضية الثانية أن "داعش" تستخدم الإيحاء النفسي وهذا يتطلب منها براعة في اقتناص ضحاياها من المهزوزين نفسيا ودينيا واجتماعيا وأسريا، والتقرب منهم وإشعارهم بأهميتهم وقيمتهم تمهيدا لاكتساب ثقتهم، وحين تنجح تقوم ببراعة متناهية في زرع مفاهيمها ومعتقداتها المنحرفة في عقولهم وهذا طبعا يحتاج إلى وقت طويل وحوار أطول، ولذلك قد تلاحظ الأسرة أن أحد أفرادها أصبح ميالا للعزلة وكثرة الجلوس على حاسوبه، وهنا يجب التدخل قبل فوات الأوان.
سأكمل في مقالي القادم ـــ بإذن الله تعالى.